ما المقصود بالدخان المذكور ضمن علامات الساعة؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

ما المقصود بالدخان المذكور ضمن علامات الساعة؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن علامات الساعة من متعلقات الإيمان باليوم الآخر الذي هو ركن من أركان الإيمان، ومن المعلوم من الدين بالضرورة. والعلامات كثيرة، ورد عدد منها في الكتاب العزيز، وفي السنة المطهرة الشريفة. والدخان علامة من علامات الساعة العظمى، ورد ذكره في القرآن الكريم، في قوله تعالى: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم) [الدخان: 10-11]. وقد جاء في كتب التفسير أن الدخان المذكور في هذه الآية الكريمة يحتمل أن يكون المقصود به العلامة التي هي من أشراط الساعة. وذهب عدد من الصحب الكرام، منهم أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، وابن عباس، وأبو سعيد الخدريِّ، رضي الله عنهم، وغيرهم، وكثير من التابعين، إلى أنها من العلامات العظمى التي تظهر قرب القيامة(1). هذا باختصار، ويتلوه التفصيل.

تفصيل الجواب:

قسم العلماء علامات الساعة إلى أقسام ثلاثة: صغرى، ووسطى، وكبرى (عظمى). فاما الصغرى فقد انقضت، وأما الوسطى فكثير منها مضى ولا زال بعضها يظهر. وأما العظمى فلا تكون إلا قرب قيام الساعة، ومنها الدخان. ومن الأدلة على ذلك، ما أخرجه مسلم عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، قال: “اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر، فقال: “ما تذاكرون؟” قالوا: الساعةَ، يا رسول الله. قال: “إنها لن تقوم حتَّى تروا قبلها عشر آيات، …”، فذكر الدخان والدجال، الحديثَ، رواه مسلم(2).

كما ورد ذكر الدخان في القرآن الكريم، في قوله تعالى: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم) [الدخان: 10-11]. وللمفسرين في هذه الآيات الكريمة قولان: الأول، وهو القول المشهور والأولى بالصواب، كما قال شيخ المفسرين الطبري، ما رُوي عن ابن مسعود: أن الدخان الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرتقبه، هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم(3)، قال الإمام القرطبي: “وقد كشفه الله عنهم، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم”(4).

والقول الثاني: أنه قد ثبت في صحيح مسلم أن الدخان من أشراط الساعة , ولا مانع من حمل الآية الكريمة على الدخانين: الدخان الذي مضى، والدخان المستقبل جمعاً بين الأدلة، جاء في (تفسير ابن كثير): عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: غدوت على ابن عباس، رضي الله عنهما، ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت. قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكبُ ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحتُ. رواه ابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن. قال ابن كثير: “وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين أجمعين، مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما، التي أوردناها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن”(5).

فإذا ثبت أن هناك دخاناً ظهر لقريش عند البعثة، إنذاراً لهم، وأن هناك دخاناً يكون عند قيام الساعة، فثمة دخان ثالث يكون عند هلاك يأجوج ومأجوج، قال العلامة البرزنجي: “يكون دُخانٌ عند هلاك يأجوج ومأجوج، وأنه يمكث ثلاثًا. فيحتمل أن يكون هذا هو، ويحتمل غيره، لكنه لابد أن يكون قبل الريح الآتية، لأن بعد الريح لا يبقي مؤمنٌ، وعند الدخان يُوجَدُ المؤمنون؛ كما هو صريح العبارة”(6).

هذا ملخص فيما ورد في آية الدخان، والكلام يحتمل التطويل والمزيد من الأحاديث والنصوص، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله، ومن أراد المزيد فعليه بكتب التفسير، والكتب المصنفة في أشراط الساعة، نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يقبضنا إليه غير مفتونين، في عافية وسلامة في الدين مع كمال الإيمان، والحمدلله أولاً وآخراً.

الهوامش:

1- ابن كثير، تفسير ابن كثير: 7/ 249.

2- النيسابوري، صحيح مسلم: 4/ 2225، حديث 2901.

3- الطبري، تفسير الطبري المسمى جامع البيان: 25/ 135.

4- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 16/ 128.

5- ابن كثير، تفسير ابن كثير: 7/ 249.

6- البرزنجي، الإشاعة لأشراط الساعة: ص 325.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)