ما أهمية قصة نبي الله يوسف عليه السلام؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي  

السؤال

ما أهمية قصة نبي الله يوسف عليه السلام؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد  و على سيدنا يوسف و على جميع الأنبياء و المرسلين ، و بعد :

تكمن أهميتها بالنسبة للشباب في كونها تعطيهم نموذجاً حقيقياً يقتدى به و مثلاً أعلى للشباب المحافظ على دينه، الثابت في وجه الفتن و الشهوات، الصابر عند الابتلاءات، مع كونه كذلك صاحب حكمة و علم و أمانة و إتقان في عمله .. وغير ذلك من الصفات و الأخلاق الحميدة للناجحين الفائزين في أمور الدنيا و الدين.

 

البيان و التفصيل :

 

قصة نبي الله يوسف عليه السلام من أعظم القِصص القرآنية و أمتعها و أحسنها كما قال تعالى : ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [يوسف 3]، لما اشتملت عليه من الأحداث و الدروس و العبر الواقعية في كثير من مجالات الحياة الدينية و الدعوية و الاجتماعية و الاقتصادية و التربوية و الإدارية و غيرها الكثير .

– و من أهم هذه الدروس العظيمة و المهمة بالنسبة للشباب :  تربيتهم على الصبر عند الابتلاءات و المحن، و الثبات عند الشهوات و الفتن، و الدعوة إلى القوة و العلم و إتقان العمل و الإخلاص فيه، و تحمل المسؤولية، و طهارة القلب من الحقد و الغل و حب الانتقام و غير ذلك، من خلال عرص قصة نبي الله يوسف الشاب عليه السلام و تصوير الأحداث التي مرت في حياته ..

 

و هذه بعض الصور التي توضح أهمية قصة سيدنا يوسف عليه السلام بالنسبة للشباب؛ ليتخذوه قدوة لهم في حياتهم و سأذكرها على شكل قواعد و مبادئ :

 

  • 1-     حسن العلاقة مع الوالدين و الطاعة و البر بهما :  و يظهر ذلك بداية من خلال علاقة الحب القوية بين يوسف و أبيه ، و كذلك من خلال رجوعه إليه في إخباره بأسراره و أحواله – كما هو الحال بالنسبة للرؤية التي رآها – و التزامه بتوجيه أبيه بكتم سرها يقول تعالى : ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف 4-5]، و كذلك عندما رفع أبويه على العرش  يقول تعالى : ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ *  وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [يوسف 99-100]  و غير ذلك.

 

  • 2-     الصبر على الابتلاءات و المحن : و يظهر ذلك ابتداءً من لحظة إلقائه في الجب ثم بيعه بدراهم معدودة ثم سجنه بعد ذلك -ظلماً  و عدواناً- بضع سنين مع كونه صاحب الحق
يقول تعالى : ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ  ﴾ [يوسف 15]  و قوله  : ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ [يوسف 20]،و قوله : ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾[يوسف 35]  و غير ذلك.

 

  • 3-     التمسك بالدين و القيم و الثبات عند الفتن : و يظهر ذلك واضحاً من خلال قصة امرأة العزيز و كيف راودته عن نفسه فاستعصم، قال تعالى : ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف 23]
    و قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [يوسف 32] ، وهذه القصة تذكرنا بأحد أولئك السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما ذكر صلى الله عليه و سلم :” و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال إني أخاف الله ” متفق عليه (1)

 

  • 4-     التمسك بالدعوة إلى الدين و التوحيد ، في كل الأحوال و في كل الظروف، و جعل ذلك الهم الأول له: و يظهر ذلك في دعوة السجينين الذين كانا معه في السجن إلى توحيد الله أولاً قبل أن يفتيهما في رؤيتَيهما قال تعالى : ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾[يوسف 39-40]

 

  • 5-     التمكن و الخبرة في أمور الحياة مع اكتساب صفات الناجحين فيها: كالقوة و الأمانة و العلم و إتقان العمل و الإخلاص فيه و تحمل المسؤولية و الحرص على مصلحة الناس و المجتمع و غير ذلك ، و يظهر ذلك من خلال توليه على خزائن الأرض كما قال تعالى : ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾[يوسف 55]

 

  • 6-     طهارة القلب و عدم الحقد أو الغل أو الضغينة على أحد : و يظهر ذلك من خلال مسامحة إخوته و إكرامهم قال تعالى: ﴿قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  ﴾[يوسف 92]

 

  • 7-     الشكر و الاعتراف بالنعم و الفضل لله تعالى و التسليم و عدم التذمر من القضاء و القدر  : ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾[يوسف 100]
بناءً على ما سبق :
فهذه القواعد و المبادئ و غيرها -مما في قصة نبي الله يوسف عليه السلام و في أخلاق نبينا و ما جاء به عليه أفضل الصلاة و السلام- تشكل العوامل و الأسباب المهمة في ضرورة توجيه شبابنا إلى اتخاذ الأنبياء – و خاصة يوسف و نبينا محمد عليهم الصلاة و السلام جميعاً – قدوة لهم و مثلاً أعلى في سائر شؤون حياتهم ، كما قال تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [ الأنعام 90] ،  و قوله في حق نبينا صلى الله عليه و سلم :  ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾ [الأحزاب 21] و الله أعلم

المصادر و المراجع :
1- رياض الصالحين للإمام النووي ، رقم (٤٤٩) صفحة (159)