ماذا نتعلم من معاملة النبي لأنس بن مالك؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ماذا نتعلم من معاملة النبي لأنس بن مالك؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

سيدنا أنس بن مالك-رضي الله عنه- الصحابي الجليل الذي خدم رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين، كانت مليئة بالدروس و العبر، التي ينبغي على كل مسلم -عامة- و كل مربي -خاصةً- أن يتعلم منها و يطبقها في حياته، فمن هذه الدروس التي نتعلمها : الرفق و اللين و الرحمة في التعامل مع الخدم و الموظفين و من هم تحت مسؤولياتنا، و مع أبنائنا و بناتنا -الأطفال منهم خاصة-، و مراعاة احتياجاتهم إلى اللعب و اللهو المباح و المزاح، و كذلك نتعلم تدريب أولادنا على تحمل المسؤوليات و القيام بالمهمات و حفظ الأسرار ، و نتعلم أيضاً أنه لا ينبغي لنا أن نقصر في الدعاء لهم بالحفظ و الفهم و الرزق و طول العمر و غير ذلك من الدعوات التي تجمع لهم خيري الدنيا و الآخرة، و الله أعلم.

البيان و التفصيل :

لا بد لنا -بداية- قبل الإجابة عنه هذا السؤال، من ذكر ترجمة سريعة لهذا الصحابي الجليل سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه و أرضاه
– فهو أنس بْن مالك بْن النضر الأنصاري الخزرجي من بني النجار. خادمُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتسمى به، ويفتخر بذلك، وكان يكنى: أبا حمزة، وأمه أم سليم بنت ملحان.
– خرج سيدنا أنس مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بدر وهو غلام يخدمه، وكان عمره لما قدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة مهاجرًا عشر سنين، وقيل: تسع سنين، وقيل: ثماني سنين.
وروى الزُّهْرِيّ عنه أنه قال: قدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا ابن عشر سنين، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة.
– وهو من الصحابة المكثرين للرواية عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقد روى 2286 حديثًا
– واختلف في وقت وفاته؛ فقيل ثلاث و تسعين للهجرة، و كان عمره -على التحقيق- مائة سنة وثلاث سنين، وهو آخر من توفي بالبصرة من الصحابة، ودفن قريباً منها.(1)
.

بعد هذه المقدمة الضرورية نعود للإجابة على السؤال : ماذا نتعلم من معاملة النبي لأنس بن مالك؟

أولاً- نتعلم الرفق و اللين في التعامل مع الخدم و الموظفين و غيرهم من الذين هم تحت مسؤوليتنا:
فعن سيدنا أنس رضي الله عنه أنه قَالَ: « مَا مَسِسْتُ دِيبَاجًا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلَقَدْ خَدمتُ رسول اللهِ – صلى الله عليه وسلم – عَشْرَ سنين، فما قَالَ لي قَطُّ: أُفٍّ، وَلَا قَالَ لِشَيءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَه؟ وَلَا لشَيءٍ لَمْ أفعله: ألَا فَعَلْتَ كَذا؟» متفقٌ عَلَيْهِ.(2)
و في رواية لمسلم : « خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا أَعْلَمُهُ قَالَ لِي قَطُّ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلَا عَابَ عَلَيَّ شَيْئًا قَطُّ ». (3)

ثانياً – نتعلم الرفق و اللين و الرحمة في التعامل مع الأطفال خاصةً و مراعاة احتياجهم إلى اللعب:
ففي صحيح مسلم يقول سيدنا ‌أَنَسٌ رضي الله عنه: « كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَذْهَبُ! وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ، أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ.». (4)
و كان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً ما يداعبه فيقول له: يا ذا الأذنين.(5)

ثالثاً – نتعلم تعويد الأطفال و تدريبهم على تحمل المسؤوليات و الأمانات و الأسرار:
فعن ثَابِتٍ، عن أنس – رضي الله عنه – قَالَ: « أتَى عَلَيَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وَأنَا ألْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَسَلمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَني إِلَى حاجَةٍ، فَأبْطَأتُ عَلَى أُمِّي. فَلَمَّا جِئْتُ، قالت: مَا حَبَسَكَ؟ فقلتُ: بَعَثَني رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – لِحَاجَةٍ، قالت: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إنَّهاَ سرٌّ. قالت: لا تُخْبِرَنَّ بِسرِّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحَدًا، قَالَ أنَسٌ: وَاللهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أحَدًا لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ». متفق عليه(6)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أنه قَالَ: « قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي فَانْطَلَقَتْ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا قَدْ أَتْحَفَتْكَ بِتُحْفَةٍ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى مَا أُتْحِفُكُ بِهِ، إِلَّا ابْنِي هَذَا فَخُذْهُ فَلْيَخْدُمْكَ مَا بَدَا لَكَ ، فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلَا سَبَّنِي سَبَّةً، وَلَا انْتَهَرَنِي وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي، وَكَانَ أَوَّلُ مَا أَوْصَانِي بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا بُنَيَّ، اكْتُمْ سِرِّي تَكُ مُؤْمِنًا»، فَكَانَتْ أُمِّي وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلْنَنِي عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أُخْبِرُهُمْ بِهِ، وَمَا أَنَا بِمُخْبِرٍ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا أَبَدًا، ». (7)

رابعاً – الدعاء للأولاد بالبركة في الرزق و الذرية و العمر و سائر النِّعم:
فعن قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَس بن مالك رضي الله عنه يقول: « قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَنَسٌ خَادِمُكَ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ. فقَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ.» متفق عليه.(8)
فولد له من صلبه -رضي الله عنه- ثمانون ذكرًا، وابنتان، ومات وله من ولده، وولد ولده مائة وعشرون وَلَدًا.

هذه أهم الأمور التي نتعلمها من معاملة النبي صلى الله عليه و سلم لسيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، و الله أعلم

بناء على ما سبق :

اعلم أخي السائل الكريم : أنه لابد لنا أن نتأمل و نتدبر في معاملة النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه و خاصة الشباب منهم، ثم نحاول أن نطبق هذه الدروس و هذه الأساليب التربوية و التعليمية في حياتنا عامة، و في تعاملنا مع أبنائنا و بناتنا خاصة، و نسأل الله تعالى أن يحفظ أولادنا و أولادكم و أولاد جميع المسلمين و أن يجعلهم قرة عين، و أن يجعلهم هداة مهديين ينفع الله بهم العالمين اللهم آمين.

المراجع و المصادر :

1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، للإمام عز الدين ابن الأثير الجزري، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى. [1\294]
2- صحيح البخاري : رقم (3561)، [4\230]، و صحيح مسلم : رقم (2329)، [7\81]
3- صحيح مسلم : [7\73]، رقم (2309)
4- صحيح مسلم : [7\74]، رقم (2310)
5- أسد الغابة في معرفة الصحابة، [1\294]
6- صحيح البخاري : رقم (6289)، [8\80]، و صحيح مسلم : رقم (2482)، [7\160]
7- مسند أبي يعلى،  [6\306] (3624) ، دار المأمون للتراث – دمشق الطبعة: الأولى.
8- صحيح البخاري: [8\73] ، رقم (6334). وصحيح مسلم : [7\159] رقم (2480)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ