ماذا أفعل إذا وجدت صعوبة وجفافاً في دراسة الفقه ؟

 يجيب عن السؤال الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

ماذا أفعل إذا وجدت صعوبة وجفافاً في دراسة الفقه ؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد

فعلى من يريد دراسة العلوم الشرعية أن يستحضر نية العبادة، ويخلصها لله تعالى؛ لأن طلب العلم عبادة شرعية عظيمة؛
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَضْلُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ»([1])
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ »([2])
 لذلك يجب أن يكون طلبه ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، لا من أجل مباهاة الأقران، أو الحصول على شيء من حطام الدنيا، يقول العلامة محمد العاقب بن مايابى الجكني الشنقيطي -رحمه الله-:
 من طلب العلم احتسابًا وابتغى

رضى الجليل فاز بالذي ابتغى

من به نهج المباهاة سلــك

وظن نفسه على خير هلك

وشــيخه في العلــم بعــد علــم

نيتــــــه شــــــريكه في الإثم

وذم طالب الدنا بالقيـس

على مهاجر لأم قيـس

فإذا صلحت النية وسلم المقصد، فعلى طالب العلم أن يقوي عزيمته، ويتفرغ لطلب العلم ما أمكن مستعينًا بالله تعالى، مبتعدًا عن كل ما يشغله عن ذلك، مجتنبًا ما نهى الله تعالى عنه؛ لأن ذلك معين على الحفظ والفهم، كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
 شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يهدى لعاصي

والطريقة الأفضل لدراسة الفقه أن يتبع الإنسان الخطوات التالية: 

1)  دراسة الفقه وفق مذهب معين من المذاهب الأربعة المعروفة، فإذا أتقنه نظر في بقية المذاهب الأخرى.
2)  الاقتصار على متن واحد حتى ينتهي منه؛ لأن دراسة عدة متون في نفس الوقت تشتت الذهن، وتجر إلى عدم إتقان أي منها،
3)  ومن المهم جدا في مسيرة طالب علم الفقه التعرف على مصطلحات المذهب الذي يقوم بدراسة فقهه وهي كثيرة متنوعة منها القديم و الحديث فمن الكتب الحديثة كتاب مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز كتاب مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز/مريم محمد صالح الظفيري والكتاب يتعرض للمذاهب الأربعة
و كتاب مختصر الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية / للعلامة الشيخ علوي بن أحمد السقاف الشافعي المكي و أصله
4)  التدرج في المتون الفقهية فيبدأ بالأصغر، ثم الأوسط، ثم الأكبر، و من أفضل الكتب الفقهية التي ينبغي لطالب الفقه دراستها  الطالب:
1- متن سفينة النجاة فيما يجب على العبد لمولاه للشيخ سالم بن سمير الحضرمي
2- ثم  سفينة الصلاة  لعبد الله بن عمر الحضرمي
3- ثم المقدمة الحضرمية (مسائل التعليم) لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بَافَضل الْحَضْرَمي السعدي المذحجي (ت ٩١٨هـ)
4- ثم متن الغاية والتقريب أو متن غاية الاختصار أو متن أبي شجاع لأحمد بن الحسين الأصفهاني (593 ) المشهور بأبي شجاع،
5- ثم الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع كتاب في الفقه للشيخ شمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني (ت 977هـ)
6- ثم عمدة السالك وعدة الناسك للإمام الفقيه شهاب الدين أبي العباس أحمد بن لؤلؤ القاهري الشافعي المعروف بابن النقيب المصري (702-769هـ)
7- ثم أنوار الـمسالك شرح عمدة السالك وعدة الناسك للشيخ محمد الزهري الغمراوي
وبعد دراسة هذه الكتب يتأهل الطالب بعدها للنظر في مطولات كتب المذهب ومبسوطاته وكتب المذاهب الأخرى والإبحار فيها بجدارة،
5)  الدراسة على يد شيخ عارف متقن للفن الذي يدرسه الطالب، والعلم النافع الصحيح لابد فيه من السماع من الشيوخ والمشافهة فلم يصل إلى الأمة علم نافع صحيح محرر من لدن رسول االله صلى االله عليه وسلم إلى الآن إلا بهذه الطريقة ، فهي السنة التي اختارها االله تعالى لتوارث العلم وهي سيرة السلف فيه
و قديما قيل : لا تأخذ العلم من صحفي ولا القرآن من مصحفي يعنون بالمصحفي: الذي حفظ القرآن من المصحف فحسب، دون أن يتلقاه بالرواية والمشافهة من شيوخه وقرائه المتقنين.ويعنون بالصحفي: الذي أخذ العلم من الصحف وحدها من غير أن يتتلمذ على أهل العلم، ويتخرج على أيديهم.
ولا يستقيم ما يقوم به بعض طلاب العلم في الوقت المعاصر من الدراسة على نفسه، أو عبر المنتديات المنتشرة في الإنترنت، أو ما شابه ذلك، فهذه المنتديات رغم فوائدها الجمة، ورغم ما تزخر به من علوم نافعة، لا يصح للطالب الاعتماد عليها كليًّا في دراسته، إذ لا بد من شيخ يحل عويصات العلوم التي لا يفهمها الطالب بسرعة، ويشرح ما يشكل عليه، ثم بعد ذلك يمكنه الاستعانة بما يثق فيه منها.
6)  الجمع بين الحفظ والفهم، فلا يهمل أيًّا منهما، وينبغي أن يبدأ بالحفظ، فيحفظ الدرس قبل أن يدرسه على شيخه، ومن الجيد أن يكون له كناش ـ دفتر ـ يدون فيه ملاحظات الشيخ، والفوائد التي تأتي على لسانه أثناء الدرس؛ كي يكررها بعد ذلك ويضبطها.
7)  تدريس ما درسه على الشيخ، ومن المفيد في هذه المسألة أن يكون معه شخص آخر يدرس نفس المتن، فيقوم كل منهما مرة بدور الشيخ، ومرة بدور الطالب، فذلك مجرب في تثبيت المعلومات، وترسيخها في الذهن.
وبالله التوفيق.
([1]) الضياء المقدسي (1068) والحاكم (313) والبزار (2969)

([2]) ابن حبان (88) وأبو داود (3641) والترمذي (2682) والدارمي (354) وابن ماجه (223)

الشيخ محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.