لماذا نبدأ المجالس بقراءة القرآن؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

لماذا نبدأ المجالس بقراءة القرآن؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

افتتاح المجالس المشروعة بقراءة القرآن من الأمور المباحة، بل المندوبة، فخير ما تفتتح به المجالس كتاب الله تعالى، والداعي لها هو التماس البركةِ والتوفيق والتيسير والقبول من الله تعالى بقراءة القرآن، فإن مجلساً افتُتح بما يرضي الله سبحانه وتعالى حريٌ أن يحوز رضاه، ومجلسٌ يحصل فيه رضا الله تعالى هو مجلس يحصل فيه توفيقه وتيسيره ومعونته؛ وقد جاء الفلاح مقرونا بذكر الله تعالى في القرآن، كما جاء في سورة الأنفال: (فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45]، وفي سورة الجمعة كذلك قال تعالى: ﴿وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ‌وَاذْكُرُوا ‌اللَّهَ ‌كَثِيرًا ‌لَعَلَّكُمْ ‌تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10] كما أن الله تعالى يقول: ﴿‌فَمَنْ ‌يَعْمَلْ ‌مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7] وقال تعالى أيضاً: ﴿‌وَمَا ‌تُقَدِّمُوا ‌لِأَنْفُسِكُمْ ‌مِنْ ‌خَيْرٍ ‌تَجِدُوهُ ‌عِنْدَ ‌اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 110]

– كما أن في افتتاح المجالس بالقرآن اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الشروع في سفر يفتتح سفره بقراءة القرآن، فعن ابْنَ عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: “﴿‌سُبْحَانَ ‌الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴾ [الزخرف: 13-14] اللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى. وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى. اللهم! هون علينا سفرنا هذا. واطو عنا بُعْدَهُ. اللَّهُمَّ! أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ. وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ. اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، فِي المال والأهل”. وإذا رجع قالهن. وَزَادَ فِيهِنَّ “آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ”. (1)

– كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح عقد النكاح بخطبة تشتمل على بعض الآيات القرآنية، وتسمى بخطبة الحاجة. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ – أَوْ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ – نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا. مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، ثُمَّ يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاْلْأَرْحَامِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] ثُمَّ يَتَكَلَّمُ بِحَاجَتِهِ. قَالَ شُعْبَةُ (أحد رواة الحديث): قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: هَذِهِ فِي ‌خُطْبَةِ ‌النِّكَاحِ أَوْ فِي غَيْرِهَا؟ قَالَ: فِي كُلِّ حَاجَةٍ. (2)

– وفضائل قراءة القرآن – وهي كثيرة – تدل بشكل واضح على الدواعي لافتتاح المجالس بالقرآن. روى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ. قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “اقرؤوا الْقُرْآنَ. فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ. اقرؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ. فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ. أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ. أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ. تُحَاجَّانِ عن أصحابهما. اقرؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ. فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ. وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ. ولا يستطيعها الْبَطَلَةُ”. (3)
سميت البقرة وآل عمران بالزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما. والْبَطَلَةَ: السَّحَرَةُ.

– وقد ندبنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابتداء أمورنا وافتتاحها بذكر الله تعالى، والقرآن الكريم -لاريب – هو أفضل الذكر؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌كُلُّ ‌أَمْرٍ ‌ذِي ‌بَالٍ، لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ، أَقْطَعُ». (4) وورد بلفظ: “‌كُلُّ ‌أَمْرٍ ‌ذِي ‌بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللهِ، أَقْطَعُ”. (5) ومعنى أقطع: أي ناقص قليل البركة.

– وكان من عادة النبي ﷺ إذا اجتمع مع أصحابه أن يقرأ عليهم القرآن، وربما أمر بعض أصحابه بالقراءة، كما أخبر بذلك عبدالله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن نفسه، قَالَ: «قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ، قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: ‌إِنِّي ‌أُحِبُّ ‌أَنْ ‌أَسْمَعَهُ ‌مِنْ ‌غَيْرِي». قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] فَبَكَى.” (6)

ملحوظة:

 جواز افتتاح المجالس بقراءة القرآن مشروط بأن يكون الأمر المفتَتَحُ مشروعاً ، أما إذا كان محظوراً أو محرماً أو مكروهاً ؛ فيحرم شرعاً افتتاحه بالقرآن لعدم شرعية السبب ، ولما فيه من تعريض كلام الله تعالى للامتهان في مجلس محظور. والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): صحيح مسلم (1342).
(2): أبي داود الطيالسي: المسند (336)؛ سنن أبي داود (2118)؛ سنن الدارمي (2248).
(3): صحيح مسلم (804).
(4):  سنن ابن ماجه (1894).
(5): صحيح ابن حبان: (1534).
(6): صحيح مسلم (800)؛ صحيح البخاري (5049).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.