كيف يمكن أن يكون لديك نية حسنة في كل ما تقوم به؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي  

السؤال

كيف يمكن أن يكون لديك نية حسنة في كل ما تقوم به؟

الجواب

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

دلنا النبي صلى الله عليه و سلم على كيفية استحضار النوايا الحسنة عند كل عمل في ذلك الحديث العظيم “إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى “ ، و قد استنبط العلماء من هذا الحديث الشريف أحكاماً و قواعد عظيمة تتعلق بالنية و كيفيتها و استحضارها عند جميع الأعمال ، و من هذه القواعد العظيمة المستنبطة قولهم: (النيات تقلب العادات إلى عبادات).

التفصيل و البيان :

للإجابة على هذا السؤال لا بد من دراسة و فهم حديث “إنما الأعمال بالنيات” و ما يرشد إليه و كيفية العمل به، فهو الأصل في هذا الموضوع
فعَن أمير المؤمنين أبي حفص عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:

«إِنَّما الأَعمالُ بالنيّات، وإِنَّما لكل امرئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فهجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيا يُصِيبُها أَو امْرَأَةٍ ينكحها فَهجْرَتُهُ إِلى ما هَاجَرَ إليْهِ». متفق عليه (1)

هذا الحديث هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله: “يدخل في حديث الأعمال بالنيات ثلث العلم” . وسبب ذلك أن كسب العبد يكون (بقلبه ولسانه وجوارحه) والنية أحد الأقسام الثلاثة.
وروى عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أن قال: يدخل هذا الحديث في سبعين باباً من الفقه، وقال جماعة من العلماء: هذا الحديث ثلث الإسلام
واستحب العلماء أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث تنبيهاً للطالب على تصحيح النية ، وممن ابتدأ به في أول كتابه: الإمام أبو عبد الله البخاري. (2)

و يبين لنا النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث أن الأصل في قبول الأعمال عند الله تعالى، وصحتها من المكلف القائم بها أن تكون بنية صادقة حسنة ،
– إذ يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنية» أي : لا تصح الأعمال ولا يُعتَدّ بها شرعاً، ولا تُقبل ولا يكون لفاعلها أجر وثواب إلا بالقصد الحسن، والإخلاص لله تعالى في العمل.

– ” وإنما لكل امرئ ما نوى”، أي : وكل إنسان يُجزى بحسب نيته ويثاب على مقدار قصده، فمن نوى بعمله إرضاء الله تعالى والحصول على مغفرته والفوز بجنته كان له ذلك وكافأه الله به، ومن نوى مجاملة الناس، وتحصيل رضاهم، أو الحصول على نفع مادي دنيوي، حصل على مطلوبه في الدنيا ولم يكن له عند الله تعالى حظ ولا نصيب، ولا أجر ولا مثوبة.

 – بعد هذه المقدمة المهمة نعود للإجابة على السؤال:  كيف يمكن أن يكون لديك نية حسنة في كل ما تقوم به  ؟

يكون ذلك من خلال معرفة و تطبيق الأمور التالية المستنبطة من هذا الحديث الشريف، سواء في العبادات أو العادات كما ذكر العلماء (3):

1- الأعمال الصادرة من المكلفين المؤمنين (العبادات)، سواء كانت قولاً أم فعلاً، فرضاً أم نفلاً، لا تصير معتبرة شرعاً إلا بالنية.
2- لا بد من النية في العبادة ـ كالصلاة والحج والصوم ـ فهي ركن من أركانها، ولا تصح إلا بها
3- ينبغي أن يكون وقت النية في أول العبادة مباشرةً، كأن تكون عند تكبيرة الإحرام في الصلاة مثلاً، ما عدا بعض العبادات كالصوم فتكفي النية قبله أو ما يسمى (بتبييت النية)، ويشترط استصحاب النية إلى آخر العبادة.
4- محل النية القلب، وإنما يستحب التلفُّظُ بها ليساعد اللسانُ القلبَ على استحضارها.
5- يشترط في النية في العبادات تعيين المنوي وتمييزه عن غيره، فلا يكفي مثلاً: أن ينويَ الصلاة فقط، بل لا بد من تعيينها بصلاة الظهر أو العصر أو غيرها.
6- الأعمال العادية الخارجة عن العبادة، لا تفيد الثواب إلا إذا نوى فاعلها بها التقرب إلى الله تعالى، فإذا نوى ذلك كان عبادةً وأُثيب عليها، كما إذا نوى بالأكل والشرب التقوي على الطاعة، وكما إذا قصد بالنوم إراحة بدنه لِيَنْشَطَ للعبادة.
7- وكذلك يرشدنا الحديث إلى الإخلاص في العمل، وأن تكون نيتنا حسنة في كل ما نقوم به، حتى نُحَصِّلَ الأجر والثواب في الآخرة
8- و يدل الحديث أيضاً على أنه من نوى عملاً صالحاً، فمنعه من القيام به عذرٌ من مرض أو وفاة أو نحو ذلك، فإنه يثاب عليه، «وإنما لكل امرئ ما نوى»؛ لذلك قال صلى الله عليه و سلم «إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً» (4).

9-  ويدل الحديث على إخلاص النية لله في تعاملنا مع الناس و الصدق معهم و حسن الظن بهم و إرادة الخير لهم و كف الشر عنهم و أن ننوي في ذلك أننا نتعامل مع الله تبارك و تعالى و الأحاديث في ذلك كثيرة جداً

 

بناء على ما سبق :

أذكر لك أيها السائل الكريم توجيه الدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى ، و أنقله لك بلفظه كما سمعته منه إذ يقول : ( و مما ينبغي أن يلحظه المسلم تصحيح توجه القلب في ما يقوم به من أعمال، فالبيع و الشراء و المهنة … و المركز الذي فيه العمل، هذه كلها أماكن عبادة لأن الكسب الحلال فرض على المسلم، و الفرض ثوابه عظيم و لكن الأعمال بالنيات، فلا تكسب و لا تعمل عملك الدنيوي تلقائياً كما تسير أي كائنة مخلوقة في الدنيا بغريزتها، بل أخلص النية فيها.
و هناك طرق متعددة لإخلاص النية، وهناك طريق تفصيلي و هو: كل عمل نعمله ننوي به … وهذا قد يكون صعباً في بدايته ، و لكن هناك طريقة سهلة و هي أن نقول في صباح كل يوم هذا الدعاء المأثور:” اللهم ربنا و رب كل شيء اجعلني مخلصاً  لك و أهلي في كل ساعة من ليل أو نهار” و هو حديث صحيح..، و كذلك الدعاء بدعاء التوجه عند الشافعية و فيه : ” .. إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين “..  فقد شمل هذا الدعاء كل شيء و دخل فيه كل شيء ، وهذه نية جامعة ، قلها لفظاً ،و اقصدها قلباً ، بعزم صحيح؛ فتشمل كل الحركات و السكنات”(5) و الله أعلم

 

 

 


المصادر و المراجع :

1-صحيح البخاري رقم (1) [1\6] ، و صحيح مسلم برقم (1907) [6\48]
2- ينظر كتاب جامع العلوم و الحكم لابن رجب [1\61]، و كتاب شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد صفحة (24)
3-  كتاب شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد صفحة (26)، و كتاب جامع العلوم و الحكم لابن رجب [1\61] و ما بعدها
4- صحيح البخاري : رقم ( 2996 ) [4\57]
5- ذكر ذلك في كلمته في حفل عقد زواجي، و هذه الكلمة موجودة بتمامها على صفحتي في الفيسبوك لمن أراد الاطلاع.