كيف نوفق بين وجوب اعتقاد خلود الكفار في جهنم، وبين قول الله تعالى: (لكم دينكم ولي دين)؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

كيف نوفق بين وجوب اعتقاد خلود الكفار في جهنم، وبين قول الله تعالى: (لكم دينكم ولي دين)؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار لا تفنيان. و أن من مات على الكفر أو مشركا بالله فهو في النار خالدا مخلدا فيها

وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى عن أهل النار: ( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً *إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً) [النساء: 168-169]

وقوله: ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً* خالدين فيها أبداً ) [الأحزاب:63-65 ]

وقوله تعالى: ( ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ) [فصلت 28]

فالنار باقية لا تفنى وكذلك أهلها من الكفار والمنافقين، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين بالشفاعة أو بعد تنقيتهم وتهذيبهم.

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. ويقال ياأهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح. ثم يقال: ياأهل الجنة خلود فلا موت، وياأهل النار خلود فلا موت”

و الآيات القرآنية الكريمة التي تثبت صراحة خلود النار أو خلود أهلها فيها، تبلغ (37) آية من القرآن الكريم، وهذا المفهوم العقدي لا يعارض قوله تعالى (لكم دينكم ولي دين) لأن الآية سبب نزولها كما ذكر كثير من علماء التفسير «أنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ، والعاصَ بْنَ وائِلٍ والأُسُودَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ وأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ لَقُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ هَلُمَّ فَلْتَعْبُدْ ما نَعْبُدُ.وَنَعْبُدُ ما تَعْبُدُ، ونَشْتَرِكُ نَحْنُ وأنْتَ في أمْرِنا كُلِّهِ، فَإنْ كانَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ خَيْرًا مِمّا بِأيْدِينا كُنّا قَدْ كُنّا قَدْ شَرَكْناكَ فِيهِ وأخَذْنا بِحَظِّنا مِنهُ، وإنْ كانَ الَّذِي بِأيْدِينا خَيْرًا مِمّا بِيَدَيْكَ كُنْتَ قَدْ شَرَكْتَنا في أمْرِنا وأخَذْتَ بِحَظِّكَ مِنهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ﴿قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ﴾»([1])

إذ معنى الآية كما ذكر الماوردي في تفسيره فقال :﴿لَكم دِينُكم ولِيَ دِينِ﴾ فِيهِ وجْهانِ:

أحَدُهُما: لَكم دِينُكُمُ الَّذِي تَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الكُفْرِ، ولِيَ دِينِي الَّذِي أعْتَقِدُهُ مِنَ الإسْلامِ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ.

الثّانِي: لَكم جَزاءُ عَمَلِكم، ولِيَ جَزاءُ عَمَلِي.

وَهَذا تَهْدِيدٌ مِنهُ لَهم، ومَعْناهُ وكَفى بِجَزاءِ عَمَلِي ثَوابًا، قالَهُ ابْنُ عِيسى.

قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَيْسَ في القُرْآنِ سُورَةٌ أشَدُّ لِغَيْظِ إبْلِيسَ مِن هَذِهِ السُّورَةِ، لِأنَّها تَوْحِيدٌ وبَراءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ. ([2])

فعدم الإكراه على الدخول في الدين لا يفهم منه أنه لا يحاسب على اختياره الكفر أو الإيمان ، لأن من اختار طريق الكفر قد عصى المولى سبحانه و تعالى و خالف أوامره و ليس من العدل أن يستوي مع من آمن بالله و التزم أوامره قال تعالى : ﴿أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ كَٱلۡمُجۡرِمِینَ ۝٣٥ مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ ﴾ [القلم ٣٥-٣٦] و قال تعالى :  ﴿لَا یَسۡتَوِیۤ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۚ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ﴾ [الحشر ٢٠]

وأنصح كل من يتوهم شيئا من التعارض لآيات القرآن الكريم أو لا يفهمها الفهم الصحيح بمراجعة أهل العلم وكما أمرنا الله تعالى ﴿فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل ٤٣]

رزقنا الله الفهم لكتابه و فتح علينا بمنه و كرمه و إفضاله و الحمد لله رب العالمين

([1]) اتفسير الطبري 24/702  و البحر المحيط لأبي حيان 10/558  التحرير و التنوير 30/580
([2]) تفسير الماوردي  :  النكت و العيون 6/358

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.