كيف نحفظ الإخوة من الغيرة بينهم؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف نحفظ الإخوة من الغيرة بينهم؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين و بعد:

الغيرة هي كراهة الرجل اشتراك غيره معه فيما هو حقه، و منها ما هو مذموم و منها ما هو محمود على حسب مراعاة الضوابط و التوجيهات الشرعية

و من أهم المبادئ و التوجيهات الشرعية و التربوية في تجنب الغيرة المذمومة بين الإخوة؛ تربية الأولاد منذ الصغر على مبدأ الإيثار و حب الخير للغير و ربط ذلك بالإيمان، ثم مراعاة العدالة في كل الشؤون و الأحوال أثناء تربيتهم، و عدم التمييز أو التفرقة بينهم في التعامل الظاهري، مع مراعاة عدم إجراء المقارنات أو التفاضل فيما بينهم ، بالإضافة إلى كتمان محاسن أو مميزات أحدهم عن الآخرين و عدم التحدّث بها ؛ خاصة عند اشتداد حدة الغيرة بينهم و الله تعالى أعلم

التفصيل :

الغيرة: هي كراهة الرجل اشتراك غيره معه فيما هو حقه (1)

و ترجع في أصل نشأتها إلى الطبائع النفسية التي فطر الله الناس عليها؛ كحب التملّك و الأثرة و الأنانية و حب الذات ؛ فإذا نالت حظها من التوجيه و الضبط بميزان الشرع؛ أصبحت محمودة، و إلا انقلبت إلى صفة مذمومة و حالة مرضية يجب علاجها، كما في حالات و صور مجتمعية كثيرة، ومنها هذه الحالة فيما بين الإخوة في الأسرة الواحدة

فما هي التوجيهات والإرشادات الشرعية لعلاج هذه الحالة والوقاية منها فيما يبين الإخوة و الأخوات ؟

هنالك عدة قواعد ومبادئ تربوية وجهنا إليها الشرع و أمرنا بها، منها:

أولاً – تربية الأولاد على مبدأ الإيثار و حب الخير للغير و ربط ذلك بالإيمان:

 كما جاء ذلك في حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. (٢)
و قد أكّد الله تعالى هذا المبدأ و امتدح أهله فقال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  ﴾ [الحشر 9]

ثانياً – تحقيق العدالة بين الأولاد و عدم التمييز أو التفرقة فيما بينهم :

في جميع الأمور الظاهرية التي يملكها الإنسان، كالنفقةو التعليم و أسلوب الكلام و التعامل و اللعب و الحنان و المحبة الظاهرية كالابتسامة و القُبلة و غيرها، و أما المحبة القلبية فهذه مما لا يملكه الإنسان و لا يقدر عليه؛ فلا يُطلب منه. و لكن فليحرص الأب أو الأم على عدم إظهارها في تعاملهم مع أولادهم كما هو الحال في قصة سيدنا يعقوب مع ابنه يوسف و إخوته عليهم السلام
و عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ أنَّ أباه أتَى بِهِ رسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فقال: إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلامًا كَانَ لِي، فقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم: «أكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟» فقال: لا، فقالَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم: «فَأرْجِعهُ».
وفي روايةٍ: قال : «أَفَعَلْتَ هذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟» قال: لا، قال: «اتَّقُوا اللهَ واعْدِلُوا فِي أوْلادِكُمْ» فَرَجَعَ أبي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ.

وفي روايةٍ: فقال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم: «يَا بَشيرُ ألَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟» فقالَ: نَعَمْ، قال: «أكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هذَا؟» قال: لا، قال: «فَلَا تُشْهِدْنِي إذًا فَإنِّي لَا أشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ».(3)

ثالثاً – كتمان الخصائص و المميزات التي يتمتع بها أحد الأولاد عن الآخرين؛ في حالة اشتداد الغيرة فيما بينهم:

كما ذكر القرآن في قصة الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف 4-5]

رابعاً – و من الأمور التربوية المهمة عدم المقارنة فيما بينهم:

 كأن يُقال : أخوك أفضل منك؛ هو يعرف كذا و كذا و أنت لا تعرف شيئاً، هو ناجح و أنت فاشل .. و غير ذلك من أوجه المدح أو الذمِّ.
هذه هي أم المبادئ و النصائح الشرعية و التربوية في حفظ الأولاد من الغيرة المذمومة فيما بينهم و الله أعلم.

التوجيه العملي:

احرص أيها الأب و أنتِ أيتها الأم على تربية أولادكم أولاً على حب الخير للغير عامةً و للإخوة و المقربين خاصةً، ثم احرصا على تحقيق مبدأ العدالة فيما بينهم حتى في الكلمة الطيبة أو الابتسامة أو القبلة، و احذرا -في حالة اشتداد الغيرة بينهم- من المقارنة أو التفضيل بينهم أو إظهار محاسن أو مميزات أحدهم و التحدث بها أمام الآخرين؛ فإنّ ذلك مما يزيد في حدة الغيرة و يوغر الصدور ويوقع العداوة بينهم ، نسأل الله تعالى الهداية و التوفيق و السعادة لجميع أولادنا و أولاد المسلمين و الحمد لله رب العالمين

المصادر و المراجع:

1- كتاب: التعريفات، للجرجاني (ص 163).
2- صحيح البخاري: [1\10] رقم (13)، وصحي مسلم : [1\49] رقم (45) .
3- صحيح البخاري : [3\206] رقم (2586) ، و صحيح مسلم : [5\65] رقم (1623)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ