قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إن الدين يسر” فهل إذا وجدتُ صعوبة في شيء من الدين أتركه؟

يجيب عن السؤال الشيخ الأستاذ الدكتور باسم حسين عيتانيي  

السؤال

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إن الدين يسر” فهل إذا وجدتُ صعوبة في شيء من الدين أتركه؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين؛

أخي السائل الفاضل؛

لا يعني  ” الدين يسر” إذا وجدتَ صعوبة في شيء من الدين تتركه، ولكن اليسر في الدين يعني أنه لا تشدد فيه، فالصوم في رمضان فيه من الصعوبة والمشقة ولكن يقدر الإنسان على صيامه، فهذا لا يترك بل يجب على المسلم أن يصبر للقيام بهذا الفرض، وأما من أراد أن يصوم كل يوم ولا يفطر فيضر نفسه فهذا تشدد نهى الدين عنه، فهذا الذي يجب أن يُترك.

ولا تستطيع أن تفهم هذا الحديث النبوي فهماً صحيحاً إلا عندما تكتمل صورة النص أمامك، والنص الكامل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – «إنَّ الدِّينَ يُسرٌ، ولن يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلَّا غلَبه، فسدِّدوا وقاربوا وأبْشِروا، واستعينوا بالغَدْوةِ والرَّوحَةِ وشيءٍ من الدُّلجَةِ» [صحيح البخاري]

ومعنى الحديث: لاتشددوا على أنفسكم في أحكام الدين وتُحمِّلوها ما لاتطيق، فمن تشدد تعب وملّ وكلّ ثم ترك العمل ولعله يهلك، فالدين يسر لأنه لا يكلف الإنسان إلا وسعه، فسددوا وقاربوا، أي: توسطوا دون إفراط ولا تفريط في العبادة، فلا تقصِّروا فيما أُمرتم به، ولا  تتحملوا منها ما لا تطيقونه، فلكم البشرى بالنجاح والفلاح إذا سرتم في طاعة الله على التسديد والمقاربة، واستعينوا في أوقات السير إِلى الله بالطاعات وهي الغدوة: أول النهار والروحة: آخر النهار وشيء من الدلجة: آخر الليل، فتكونوا على طاعة الله تعالى في نشاطكم بحيث تستذوقون العبادة فلا تتعبون ولا تملون، وبهذا تبلغون مقصودكم بلا سأم ولا كلل، فالعبرة بدوام العمل وإن قلّ.

وقد وقع التشدد من بعض الصحابة – رضي الله عنهم – فأحب أحدهم أن يقوم الليل ولا ينام والثاني أحب أن يصوم ولا يفطر والأخير رغب في عدم الزواج أبداً، فوجههم النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى منهجه النبوي النابع من يسرالدين.

والقصة أنه جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهِم، فَقالَ: “أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي” [ صحيح البخاري] أي من ترك منهج النبي – صلى الله عليه وسلم – المبني على اليسر والوسطية فهو ليس على خطى هديه الشريف.

– الدين يسر لأننا نجد في هذا الدين المحرمات معدودات، وهي أقل بكثير من المباحات التي لايمكن حصرها، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة : 29] وأن المفروضات محددة وهي ضمن استطاعة العبد، وأن الرُّخَص كثيرة في الدين الإسلامي كقصرالصلاة في السفر، والمسح على الخفين، والمسح على الجوربين الثخينين، والتيمم عند فقد الماء، وتناول أكل الميتة عند الاضطرار وسقوط الصلاة عن الحائض والنفاس وغير ذلك.

– الدين يسر بالنسبة إلى سائر الأديان، لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر والثقل الذي كان على من قبلهم، قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ ) [ البقرة: 286] ، وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج) [ الحج:78] كعدم الطهارة بالتراب، وقطع الثوب الذي يصيبه النجاسة وقبول التوبة بقتل أنفسهم  ونحو ذلك. فإن الله تعالى من لطفه وكرمه رفع هذا عن هذه الأمة َرحمة لهم.[ ينظر: عمدة القاري]

– الدين يسر لأنه يحصل لهذه الأمة بركة عظيمة وأجور كبيرة بأفعال قليلة بهذا الدين، وفي ذلك أمثلة كثيرة من خلال أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – منها:

 ” مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ. وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كله.” [صحيح مسلم]

” ومن قال: سُبحانَ اللهِ وبحمدِه، في يومٍ، مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خَطاياه. ولو كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ”.  [صحيح مسلم]

” مَنْ صَامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتَبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيَامِ الدَّهْرِ” [ صحيح مسلم]

وهذا كله يدل على إثبات أجور كبيرة لأفعال قليلة، وهذا دلالة على يسر الدين.

وأخيراً: قد يفرض الله تعالى على المسلمين بعض عبادات تكون فيها مشقة أو صعوبة ولكن تكون محمولة باستطاعة المسلم القيام بها، كالحج مثلاً ، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) [ آل عمران:97] فهذا لا يترك بل يجب فعله على المستطيع سواء الرجل أوالمرأة، ولم يفرض الله علينا عبادات فيها مشقات أو صعوبات لا تحتملها الطاقة البشرية، فالدين الإسلامي بعيد عن ذلك، قال الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286]

 وهنا لا بد أن نشير إلى أمر في غاية الأهمية أن المسلم عندما يتوجه إلى الله بعبادته بإخلاص ولو كان فيها نوع مشقة فإنه لايشعر بثقلها بل يتلذذ روح العبادة ويتذوق سرها وتصير أمراً هيناً سهلاً ويتعلق بها ويسارع  إلى المواظبة عليها وتكرارها.

والله المرشد إلى طريق الهدى

– البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق: البغا، دار ابن كثير، دمشق، سوريا، ط5، (1414هـ -1993م) 23/1 ر:39 – 1949/5 ر:4776 –

– العيني، محمد بن أحمد، عمدة القاري، دار الفكر، بيروت، لبنان.  235/1

– محمد بن مسلم، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، البابي الحلبي، القاهرة، مصر،(1374 هـ – 1955م)  454/1 ر:260 – 2071/4 ر:2691 – 822/2 ر:1164

[الشيخ] الدكتور باسم عيتاني

الشيخ الدكتور باسم عيتاني هو الشيخ الدكتور باسم حسين عيتاني من مواليد بيروت – لبنان عام 1965    

حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005

من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس والشيخ ملا عبد العليم الزنكي والشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ د. مصطفى ديب البغا والشيخ د. وهبي الزحيلي ود. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعا.

 لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية و الإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه من ذلك

 Seekers Guidance – عضو في اللجنة العلمية في مؤسسة

 التعليم المفتوح عبر الإنترنت حتى الآن

– عميد كلية الدعوة الجامعية للدراسات الإسلامية – الدراسات العليا عام 2021-2020

مدير دار إقرأ للعلوم الإسلامية 1998- 2018

مدرس للعديد من المواد و المناهج العلمية في الفقه و الأصول و العقيدة و التفسير .. ومناقش و مشرف على العديد من الرسائل

والاطاريح العلمية في الماجستير والدكتوراه في العديد من الجامعات و الكليات في لبنان له مؤلفات وأبحاث  في مجال العلوم الإسلامية

أقوال الإمام زفر المعتمدة في المذهب الحنفي – الاجتهاد الجماعي سمو فكري في القرن 21 – العرف وأثره في الفقه الإسلامي 

المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية داخل لبنان وخارجه

اللغات : العربية: ممتاز  الفرنسية: جيد الإنكليزية: وسط