إذا قام الولي باستثمار أموال اليتيم، فما هو القدر الذي يجوز له أن يأخذه منها؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

إذا قام الولي باستثمار أموال اليتيم، فما هو القدر الذي يجوز له أن يأخذه منها؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين ، سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين  وبعد ….

فإن الشريعة الإسلامية بينت لنا كل ما يخص المسلم في حياته و معيشته مع نفسه و مع غيره  ، ومن محاسن هذه الشريعة الأمر بالإحسان إلى اليتامى والسعي في رعايتهم، والقيام على أموالهم، وبيان ما يترتب على ذلك من أجر عظيم، قال تعالى: ﴿وَٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰ⁠لِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰا وَبِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ ﴾ [النساء ٣٦]

ولقد تميزت الشريعة الإسلامية بإعطاء اليتامى عناية ورعاية خاصة ، ورغبت القادرين من أهل البر والإصلاح على كفالة اليتامى ، والإحسان إليهم والعطف عليهم ، والعمل على إعدادهم جسميا ، ونفسيا ، وعقليا ، حتى يصيروا رجالا صالحين . وقد تجلى ذلك في نصوص كثيرة كقوله تعالى : ﴿فَأَمَّا ٱلۡیَتِیمَ فَلَا تَقۡهَرۡ﴾ [الضحى ٩]

كما حذرت من الاعتداء على أموالهم وأخذها بغير وجه حق قال تعالى ﴿وَلَا تَقۡرَبُوا۟ مَالَ ٱلۡیَتِیمِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ یَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُوا۟ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولࣰا﴾ [الإسراء ٣٤] وقال: ﴿وَءَاتُوا۟ ٱلۡیَتَـٰمَىٰۤ أَمۡوَ ٰ⁠لَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا۟ ٱلۡخَبِیثَ بِٱلطَّیِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰ⁠لَهُمۡ إِلَىٰۤ أَمۡوَ ٰ⁠لِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبࣰا كَبِیرࣰا﴾ [النساء ٢].وقال ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ یَأۡكُلُونَ أَمۡوَ ٰ⁠لَ ٱلۡیَتَـٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا یَأۡكُلُونَ فِی بُطُونِهِمۡ نَارࣰاۖ وَسَیَصۡلَوۡنَ سَعِیرࣰا﴾ [النساء ١٠]

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»([1])

وحفاظا على أموال اليتامى من أن تنقص بسبب النفقة والزكاة أباح الشارع للولي استثمارها و تنميتها بالتجارة لأن ذلك أصلح لليتيم ([2]) و قال الفقهاء بذلك على سبيل الوجوب أو الندب

جاء في فتاوى العز بن عبد السلام :(الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الأَصَحِّ : وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَنْمِيَةُ مَالِ الصَّبِيِّ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا إِنْ أَمْكَنَ ، وَلا تَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ )([3])

لكن هل للولي المستثمر أخذ أجرة على ذلك ؟

مذهب الشافعية أنه يباح له أخذ أجرة المثل :

قال في الحاوي للماوردي (فَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ أُجْرَةً بِحَقِّ قِيَامِهِ فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ فَقِيرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ أَجْرَ مثله بحق قيامه عليه. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] . وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] يَعْنِي بِمَالِهِ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ قِيَامِهِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهَا فَقِيرٌ دُونَ غَنِيٍّ كَسَائِرِ الْأُجُورِ. وَتَكُونُ الْآيَةُ مَحْمُولَةً عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. )([4])

والأفضل التورع قدر المستطاع عن مال اليتيم و الاحتياط الشديد في التعامل فيه وفقنا الله لما يحبه و يرضاه و الحمد لله رب العالمين

([1]) أخرجه البخاري (2766) ومسلم (89)
([2]) المبسوط للسرخسي 22 / 18 ، 186 ، 187 ، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 13 ، 362 ، وحاشية ابن عابدين 5 / 455 .
([3]) فتاوى العز بن عبد السلام ص 122 .
([4]) الحاوي الكبير 6/353  مغني المحتاج 2/167

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.