أنا شاب ملتزم و محافظ على الصلاة و لكنني لا أذهب إلى المسجد إلا يوم الجمعة فقط أما الصلوات الخمس فأصليها في البيت أو العمل فما الحكم؟
يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي
السؤال
أنا شاب ملتزم و محافظ على الصلاة و لكنني لا أذهب إلى المسجد إلا يوم الجمعة فقط أما الصلوات الخمس فأصليها في البيت أو العمل فما الحكم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، و بعد:
أداء الصلوات الخمس في المسجد جماعةً سنةٌ مؤكدة في حق الرجال ،و قيل فرض كفاية، طبعاً ما عدا صلاة الجمعة فهي فرض عين بالاتفاق.
و يمكن تحصيل ثواب الجماعة و لو في غير المسجد كالبيت أو العمل أو أي مكان مع شخص واحد أو أكثر ، و يُكتب لكم أجر الجماعة، على ألا يُتخذ ذلك عادة دائمة
فينبغي للمسلم أن يحرص على حضور الجماعات في المسجد لما فيه من زيادة أجر و فضيلة كما ذكرت ذلك كثير من الأحاديث، إلا إذا كان هنالك عذر أو حاجة فلا بأس عند ذلك
البيان و التفصيل :
لقد دعا الإسلام إلى إظهار و إشهار شعائر الدين في المجتمع المسلم ، و اجتماع المسلمين على أداء بعض العبادات و الفرائض الأساسية، كالصلاة و ما يتعلق بها من أذان و إقامة و غيرها ،
و لعل هذه إحدى الحكم العظيمة التي لأجلها شرع بناء المساجد و تأسيسها في الإسلام ، كما قال الله تعالى :
﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور 36-38]
و يقول تعالى أيضاً : ﴿… لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِیهِۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة 108]
– و من هنا ندرك عظمة مشروعية صلاة الجماعة في المسجد لأنها تحقق هذه الحكم و المعاني العظيمة بالإضافة إلى الأجر و الفضل الكبير ، مما يجعل المسلم يحرص كل الحرص عليها و على ألا يفوِّت على نفسه ذلك الفضل العظيم إلا لعذر أو حاجة معتبرة شرعاً
و الأحاديث الواردة في فضل صلاة الجماعة في المسجد أكثر من أن تحصى كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، و ذكر منهم :
- “وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ ..” متفق عليه ،
- و حديث : «بَشِّرُوا المَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إلى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِي
- و كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم:
«صَلاةُ الرَّجُلِ في جَمَاعةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتهِ وفي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ، لا يُخرِجُهُ إلَاّ الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَاّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّتْ عَنهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ في مُصَلَاّهُ، مَا لَمْ يُحْدِث، تقولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ في صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ». متفقٌ عَلَيهِ
و غير ذلك من الأحاديث الشريفة
-بعد هذه المقدمة المهمة نعود للإجابة على السؤال؛ فنقول -و بالله التوفيق- :
أداء الصلوات الخمس في المسجد جماعةً سنةٌ مؤكدةٌ للرجال ، و قيل فرض كفاية و هو القول الأصح عند الإمام النووي، ما عدا صلاة الجمعة فهي فرض عين بالاتفاق.. (1)
-و استدل العلماء على القول بأنها سنة بعدة أدلة منها :
الحديث الشريف كما يرويه سيدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
«صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَفِي رِوَايَةٍ :“بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً” ،متفق عليه (2)
-و أما من قال بأنها فرض كفاية فاستدل بقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» أَيْ غَلَبَ «فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ(3)
و بناء على ذلك فَتَجِبُ عليهم بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ قُوتِلُوا كما يقول العلماء.(4)
-و ذهب بعضهم إلى القول بأن صلاة الجماعة فرض عين لِحَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ: أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ الْعِشَاءَ.» متفق عليه (5)
و رد العلماء هذا القول، و أجابوا عن الحديث بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُصَلُّونَ، وَبِأَنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ يُحَرِّقْهُمْ وَإِنَّمَا هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ.(6)
– يقول النووي في المجموع شرح المهذب: (أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْجَمَاعَةُ مَأْمُورٌ بِهَا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا (أَحَدُهَا) أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ- أي الشيرازي- دَلِيلَهُمَا (وَالثَّالِثُ) فَرْضُ عَيْنٍ …… وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِمَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ المصنف) (7)
و من الفوائد المهمة المتعلقة بالسؤال :
- 1- تحصل فضيلة الجماعة و ثوابها للشخص و لو في بيته مع أهله و ولده، أو في عمله مع رفقائه ، و لكنها في المسجد أعظم فضيلةً و أجراً
- 2- أقل الجماعة إثنان (إمام و مأموم) فأكثر، و كلما زادت الجماعة زادت الفضيلة
- 3- ينبغي تدريب الصبيان على حضور الجماعات في المسجد
يقول الخطيب الشربيني -فيما ينقله عن الإمام النووي أنه قال فِي الْمَجْمُوعِ- :
( قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِيَعْتَادَهَا، وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلشَّخْصِ بِصَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ كَمَا مَرَّ….
فَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ الْقَلِيلَةِ فِيمَا ذُكِرَ. قَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ)(8)
– و يقول الإمام الشيرازي في المهذب : ( فصل: وأقل الجماعة اثنان إمام ومأموم لما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الاثنان فما فوقهما جماعة” -كما في البخاري-، وفعلها للرجال في المسجد أفضل لأنهم أكثر جمعاً وفي المساجد التي يكثر الناس فيها أفضل لما روى أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى” رواه أبو داود و النسائي )(9)
- 4- الأعذار المقبولة في التخلف عن صلاة الجماعة :
– الأعذار العامة : كشدة المطر و البرد، و سوء الأحوال الجوية كالعواصف و السيول أو انتشار الأمراض المعدية و غيرها
فقد روي أن أبن عمر رضي الله عنهما: أذَّن للصلاة في ليلة ذات بردٍ وريح، ثم قال: أَلاَ صَلوا في الرِّحَالِ، ثم قال:
إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانَ يَأمر المُؤَذَّنَ إذَا كانَتْ لَيْلَةٌ ذات برد ومطر أن يقول:
“ألا صلوا في رحالكم”. أي منازلكم ومساكنكم. متفق عليه،
– الأعذار الخاصة: كالمرض و الجوع و العطش الشديدين، والخوف من ظالم ، ومدافعة الحدث من بول أو غائط. لما رواه البخاري ومسلم :
” إذا وُضِعَ عَشَاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعِشاء، ولا يعجلن حتى يفرغ منه”،
ولخبر مسلم : “لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان”.
و من الأعذار الخاصة أكل ذي ريح كريه، أو أن يكون الشخص مرتدياً ثياباً متسخة تؤذي المسجد أو المصلين بقذارتها أو ريحها كثياب بعض الأعمال و غير ذلك. فكل واحدة من هذه الحالات تعتبر عذراً شرعياَ يسوغ لصاحبه التخلف عن حضور الجماعة.
فقد روى البخاري ومسلم ، عن سيدنا جابر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
«مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا – أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا -، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» (10)
بناء على ما سبق:
أولاً – بارك الله فيك أيها الأخ الكريم و في التزامك و محافظتك على الصلاة
ثانياً – ينبغي للمسلم – في الأصل -أن يحرص على حضور الجماعات في المسجد لما فيه من زيادة أجر و فضيلة كما ذكرت ذلك كثير من الأحاديث، إلا إذا كان هنالك عذر أو حاجة فلا بأس عند ذلك
ثالثاً- يجوز لك أن تصلي الصلوات الخمس في البيت أو العمل، و لكن احرص قدر الإمكان أن تصليها جماعةً مع أحد الحاضرين لتحصيل ثواب الجماعة ، على ألا يُتخذ ذلك عادة دائمة لك،
بل ينبغي أن تتحين الفرص كلما سنحت لك لكي تذهب إلى المسجد، و لو مرة واحدة على الأقل في اليوم ؛
لتبقى على صلة وثيقة ببيت الله سبحانه و تعالى، و الله أعلم
المصادر و المراجع :
و كتاب : القول المختار في شرح غاية الاختصار المسمى شرح ابن قاسم الغَزِّي مكتبة دار الفجر ط1 صفحة (80)
3- سنن أبي داود : رقم (574) ،[1\410] ، و سنن النسائي : رقم (847) ،[2\106]
4- ينظر: كتاب المهذب ، [1\176]، و مغني المحتاج، [1\465]
5- صحيح البخاري: رقم (644) [1\131] ، و صحيح مسلم : رقم (651) [2\123] .
6- ينظر : المجموع شرح المهذب للإمام النووي ، [4\192]، و مغني المحتاج ، [1\466]
7- المجموع للإمام النووي ، [4\182-183]
8- مغني المحتاج [1\467]
9- المهذب للشيرازي ،[1\176]
10- الفقه المنهجي لمجموعة من المؤلفين المعاصرين ،[1\177-178]