ما حكم المذهب الشافعي في صحة الصلاة جلوساً بسبب المرض، وكيف يتم تعديلها؟
يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب
السؤال
ما توجيه المذهب الشافعي حول صحة الصلاة عند أدائها جلوساً بسبب المرض أو أعذار شرعية أخرى، وكيف يمكن تعديل الصلاة؟
الجواب
الحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد؛
فإن القيام مع القدرة في فريضة الصلاة ركن من أركانها، كما يقرره المذهب الشافعي، وذلك لقوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) [البقرة: 238]. ولحديث عمران بن حصين – رضي الله عنه – قال: كانت بي بواسير، فسألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الصلاة؟ فقال: (صل قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب). [صحيح البخاري، حديث رقم 1066]
الحالات التي تبيح الصلاة جلوساً
فحديث عمران دليل على أن غير القادر على القيام في الفرض يجوز له الصلاة قاعداً، أو كما يستطيع، لقوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 191] [آل عمران: 191] . قال في (البيان): “قيل في التفسير: (قياما) إذا قدروا عليه، و (قعودا) إذا لم يستطيعوا القيام، و (على جنوبهم) إذا لم يقدروا على الجلوس [ البيان في مذهب الإمام الشافعي: 2/ 442]. ومن الأدلة ايضاً حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد [صحيح البخاري، حديث رقم 689؛ صحيح مسلم، حديث رقم 411]، الحديث.
قال الإمام العمراني في (البيان): “والعجز الذي يجوز له ترك القيام:
-إما أن يكون زمنا لا يستطيع القيام أصلا.
-أو يكون صحيحا، إلا أنه لا يستطيع القيام إلا بتحمل مشقة شديدة.
-أو يخاف تأثيرا ظاهرا في العلة.
لأن كل عبادة لم يقدر على فعلها إلا بمشقة شديدة جاز له تركها إلى بدلها؛ لأجل المشقة، كالمسافر في شهر رمضان: له أن يفطر وإن كان يقدر على الصيام لو تحمل المشقة”. [البيان في مذهب الإمام الشافعي: 2/ 442]
ثم أضاف ذاكراً كيفية الصلاة للمريض والعاجز، قائلا: “إذا ثبت هذا: فكيف يقعد؟ فيه قولان:
أحدهما
يقعد متربعا؛ لما روت عائشة: «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى متربعا». [سنن النسائي، حديث رقم 1661]
الثاني
يقعد مفترشا؛ لأن ذلك قعود العبادة، والتربع قعود العادة.
والذي يقتضي القياس: أن القولين في الاستحباب، لا في الوجوب. إذا ثبت هذا: فإن الجالس إذا أمكنه الركوع والسجود فعل ذلك. قال في (الفروع): وينحني في الركوع، حتى يصير بالإضافة إلى القاعد، كالراكع بالإضافة إلى القائم. وإن لم يقدر أن يسجد على الأرض لعلة بجبهته، أو ظهره انحنى أكثر ما يقدر عليه”. [البيان في مذهب الإمام الشافعي: 2/ 442]
هذا، وفي كتب المذهب الشافعي تفصيل في صور أخرى تتعلق بالقيام على القادر، ومسألة صلاة منحني الظهر وقيامه واجب عليه ولو كان على هيئة الراكع، قال في (المنهاج) ممزوجا بشرحه (التحفة) لابن حجر: “(فإن لم يطق) انتصابا (وصار كراكع) لكبر أو غيره (فالصحيح أنه يقف كذلك) وجوبا لقربه من الانتصاب (ويزيد) وجوبا (انحناءه لركوعه إن قدر) على الزيادة تمييزا بين الواجبين.” [تحفة المحتاج في شرح المنهاج: 2/ 22]
كل ما تقدم كان على صلاة الفرض، ووجوب القيام فيه، فخرج بقيد الصلاة المفروضة، الصلوات النافلة، فإن القيام بها مندوب مطلقاً، فله أن يجلس فيها سواء كان قادراً أم لا. لما صح: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد). [صحيح البخاري حديث رقم 1065؛ وينظر للمزيد: الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي: 1/ 129]
هذا ما أمكن تلخيصه في هذه المسألة، نسأل الله أن يوفقنا للقيام بواجباتنا وأداء عباداتنا كما أمر، وكما يرضيه، والله الموفق والهادي سواء السبيل.
الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب
هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م
نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة
وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (seekersguidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول
من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي، بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)