وردت أحاديث صحيحة أن دعوة المظلوم مستجابة، ونحن نرى الكثير من الظلم يقع على الناس، والمظلوم يدعو ليلا ونهاراً، ولا يتوقف الظلم؟ ما الحكمة من هذا؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
وردت أحاديث صحيحة أن دعوة المظلوم مستجابة، ونحن نرى الكثير من الظلم يقع على الناس، والمظلوم يدعو ليلا ونهاراً، ولا يتوقف الظلم؟ ما الحكمة من هذا؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
بداية وقبل الإجابة لا بد أن تعلم أخي السائل أن الله سبحانه وتعالى له حكمة في كل شيء، وأنه لا يفعل في عبده إلاّ ما هو خير له، ولكن نظر العبد القاصر يظن أن الأقدار المؤلمة التي تنزل به ولا تزول عنه رغم دعاءه، أن الله لا يسمع دعاءه، أو أن كل الخير في زوال ما يؤلمه، مع أنه ربما يكون الأذى الذي ينزل بالإنسان هو عين الخير والنفع له؛ مصداق قول الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]
وقد ذكر أهل العلم بعض الحكم لاستمرار الظلم رغم دعاء المظلومين، ومن ذلك:
– التأخير لحكمة يعلمها الله في عباده؛ فقد يؤخر الله استجابة الدعاء لبعض عباده المظلومين لحكمة يعلمها هو، فقد يكون في التأخير خير للمظلوم.
– الابتلاء والاختبار فالله تعالى قد يبتلي بعض عباده ليختبر إيمانهم وصبرهم، مصداق قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]
– تكفير الذنوب ورفعة الدرجات؛ فقد يكون الظلم الذي ينزل بالمسلم وسيلةً لتكفير ذنوبه ورفعة درجاته عند ربه سبحانه وتعالى؛ مصداق قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.». (1)
– تحقيق العدل الإلهي؛ فالله سبحانه وتعالى قد يؤجل رفع الظلم عن المظلوم، وقد يؤخر عقوبة الظالمين، من باب استدراج الظالمين وزيادة آثامهم، أو قد يكون من باب إعطاء الظالم فرصة للتوبة والأوبة؛ مصداق قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}». (2)
– تحقيق العبودية لله تعالى؛ فالعبد يتذلل بين يدي ربه طالباً منه أن يرفع عنه الحيف والظلم، ومع أنه لا يرى أن هذا الظلم قد ارتفع عنه رغم الدعاء والتضرع، فإنه يستمر بالتضرع والدعاء، وهذا فيه قمة العبودية لله تعالى؛ مصداق قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ “، ثُمَّ قَرَأَ: ” {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: 60] “. (3)
وأخيراً:
أقول للسائل: على المسلم أن يكون على يقين من أن الله لا يظلم أحدًا، بل كيف يظلم وقد حرم الظلم على نفسه؟! كما ينبغي أن يتيقن أن كل شيء يحدث في هذا الكون إنما هو بعلم الله تعالى وحكمته، وهذا قد لا يدركه بعض البشر، لذا ما على المسلم إلاّ أن يلوذ بربه سائلاً ضارعاً ولا يتوقف عن الدعاء، وعليه بالصبر واليقين بأن الله تعالى سيحقق العدل في الوقت المناسب.
وأختم بحكمة لابن عطاء الله السكندري تختزل كثيراً مما جاء في الإجابة يقول فيها :
“لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبًا ليأسك، فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد.”.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): صحيح البخاري (5642).
(2): صحيح البخاري (4686).
(3): مسند أحمد (18352).
[الشيخ] أنس الموسى
الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.