هل يجوز للمرأة عصيان والديها للعيش مع زوجها بعيداً؟

يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض

السؤال

هل يجوز للمرأة أن تعصي أمر والديها في الانتقال للعيش مع زوجها بعيداً عنهما؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه :

فمما لاشك فيه أن بر الوالدين و امتثال أمرهما و الإحسان إليهما واجب على كل مسلم لقوله تعالى : ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء :٢٣]

 لكن المرأة حينما تتزوج يجب عليها أيضا طاعة زوجها وامتثال أمره فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ». [1]

وكما للزوج حق في طاعته و امتثال أمره، فللوالدين حق في البر بهما والإحسان إليهما، فإن تعارض في أمر واحد طاعة الزوج مع طاعة الأبوين فيجب على الزوجة طاعة الزوج دون إساءة للأبوين

جاء في الفتاوى الكبرى الفقهية لابن حجر:

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُج مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّكَسُّب وَنَحْو ذَلِكَ أَمْ لَا؟

فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ : لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلضَّرُورَةِ ………‌لَا ‌لِعِيَادَةِ ‌مَرِيض ‌وَإِنْ ‌كَانَ ‌أَبَاهَا وَلَا لِمَوْتِهِ وَشُهُودِ جِنَازَتِهِ    ثم قال :وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ امْرَأَةً اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَةِ أَبِيهَا وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اتَّقِي اللَّهَ سبحانه وتعالى وَأَطِيعِي زَوْجَك فَلَمْ تَخْرُج وَجَاءَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ غَفَرَ لِأَبِيهَا بِطَاعَتِهَا لِزَوْجِهَا». [2]

 وقال ابن قدامة في المغني:

وللزَّوجِ ‌منعُها ‌مِنَ ‌الخُرُوجِ ‌مِن ‌منزلِه إلى مالَها منه بُدٌّ، سواءٌ أرادتْ زيارةَ والِدَيْها، أو عيادتَهُمَا، أو حضورَ جنازة أحدهِمَا. قال أحمدُ، في امرأةٍ لها زوجٌ وَأمٌّ مريضةٌ: طاعةُ زَوْجِها أوْجَبُ عليها مِن أُمِّها، إلَّا أَنْ يأْذنَ لها.

طاعةَ الزَّوْجِ

ولأنَّ طاعةَ الزَّوْجِ واجِبةٌ، والعيادةَ غيرُ واجبةٍ، فلا يجوزُ تركُ الواجبِ لما ليسَ بواجبٍ؛ ولا يجوزُ لها الخروجُ الا بإذْنِه، لكنْ لا ينْبَغى للزَّوْجِ منعُها من عيادةِ والِدَيْها، وزيارتِهِما؛ لأنَّ في ذلك قَطعة لهما، وحَمْلًا لزَوْجته على مُخالفتِه، وقد أمرَ اللَّهُ تعالى بالمُعاشَرةِ بِالمعروفِ، وليس هذا من المُعاشَرةِ بِالمعروفِ). [3]

ثم إن عدم طاعة المرأة لزوجها في السكنى معه يعتبر معصية لله عزوجل ومن المقرر في شرعنا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،

عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ» [4] وفي رواية  :  « لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ » [5]

لكن مع ذلك ينبغي على الزوجين التلطف في هذا الأمر وعدم الإساءة بكلمة أو إشارة

وفقنا الله لما فيه رضاه و رزقنا البر والإحسان إنه سميع مجيب

الشيخ محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهده 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.

([1]) أخرجه أحمد (1683)
([2]) أخرجه عبد بن حميد (1369) وأورده ابن حجر في “المطالب العالية” (1669 / 1)  والفتاوى الكبرى الفقهية لابن حجر : (4/ 205)
([3]) المغني لابن قدامة (10/ 224)
([4]) أخرجه البخاري (4340) ومسلم (1840)
([5]) أخرجه) أحمد (1080)