هل يجوز استنشاق غاز الضحك؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل يجوز استنشاق غاز الضحك؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

يجوز استخدام غاز الضحك في الحالات الطبية فقط وتحت إشراف الطبيب، ويحرم استخدامه في الاستخدامات غير الطبية ودون إذن الطبيب.

تفصيل الإجابة:

بالنسبة لاستنشاق غاز الضحك فإن السائل لم يبيّن إذا ما كان استخدامه له في التطبيب أم في غيره، لذلك سأفصل الإجابة في جهتي السؤال.

أولاً: بالرجوع لأحد الأطباء الثقات من أهل الاختصاص – والأصل في مثل هذه القضايا أن نرجع لأرباب الاختصاص – وسؤاله عن ماهية هذا الغاز ونواحي استخدامه؛ فأجابني بالآتي:

غاز الضحك (أكسيد النيتروز) Nitrous Oxide N2Oهو نوع من أنواع الغازات المخدِّرة.. يستخدم بغرض التخدير .. و لا يجوز استخدامه أبدا إلاّ للأغراض الطبية، و حصراً بأيدي الأطباء المختصين ، ولا يجوز تداوله بين الناس أو المرضى دون إشراف الطبيب.

ثانياً: إذا كان هذا الغاز نوع من المواد المخدرة، واستعماله حصراً في المنشآت الطبية وبإشراف الأطباء؛ لهذا فإن هذا الغاز يأخذ حكم المواد المخدرة والمفتّرة التي تحصل بها النشوة والسُّكْر. والمواد المخدرة لا يجوز استخدامها دون ضرورة ملجئة؛ للقاعدة الفقهية التي تنص على أن: الضرورات تُبيح المحظورات. وكونه غاز يستخدم في الأغراض الطبية، فإن من يُقدّر هذه الضرورة هو الطبيب المسلم المختص.

أما دليل حرمة استخدام المواد المخدرة والمفتّرة فهو: قول رسول ﷺ : ” ‌كُلُّ ‌مُسْكِرٍ ‌حَرَامٌ». (1)

وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: ” نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ ‌وَمُفْتِرٍ “. (2)

فإذا كان هذا الغاز لا يُسمح باستخدامه إلاّ في الحالات الطبية، و ضمن المؤسسات الصحية، فقد دل ذلك على أنه جائز الاستخدام  في هذه الحالات كالتخدير الجراحي وأمثاله – شرعاً – و‏يُعد مستثنىً من الأصل الموجب لحرمة المواد المخدرة الموجودة فيه، ويحرم استخدامه فيما سوى ذلك من الحالات.
قال ابن عابدين في رد المحتار : ” …شرب ‌البنج لأجل الدواء، أما لو شربه للسكر فيكون معصية بصنعه كالخمر…”. (3) وقال أيضاً في موضع آخر: ” … فإنه إذا كان للتداوي لا يزجر عنه لعدم قصد المعصية…”. (4)

وأخيراً:

أُذكِّرُ الأخ السائل بأن العقل من أعظم المِنن التي امتن الله تعالى بها على الإنسان، وميزه به على سائر المخلوقات، وجعله مناط التكليف؛ لذلك شرع الإسلام كل ما من شأنه المحافظة عليه وحمايته، وحرَّم ونهى عن كل ما يكون سبباً في زواله وإفساده، ولا شك أن المواد المخدرة والمفتّرة مفسدة له، وأضرارها بالغة على الفرد والمجتمع، أجمع على ذلك عقلاء العالم بَرُّهم وفاجرهم؛ مصداق ذلك قول الله تعالى: ﴿‌يَسْأَلُونَكَ ‌مَاذَا ‌أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة: 4] وقال تعالى أيضاً: ﴿وَيُحِلُّ ‌لَهُمُ ‌الطَّيِّبَاتِ ‌وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]. والله تعالى أعلم

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): صحيح البخاري (4343).
(2): مسند أحمد (26634).
(3): ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، 2/102.
(4): ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، 3/240، وانظر أيضاً في الحاشية المذكورة: 4/42، 6/ 457.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.