هل نوم (الغفلة) النومة القصيرة ينقض الوضوء؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

هل نوم (الغفلة) النومة القصيرة ينقض الوضوء؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و بعد :

الجواب المختصر :

إذا كانت هذه النومة أو الإغفاءة على هيئة المتمكن _ أي الذي يمُكِّن مقعدته من الأرض – كالجالس مثلاً ، فإنها لا تنقض الوضوء حتى ولو كان النائم مستغرقاً في نومه

أما إذا كانت على غير هيئة المتمكن – كالمضطجع مثلاً- فإنها تنقض في حالة الاستغراق في النوم فقط ، و لو للحظة . و يمكن أن نصيغ هذه الحالة على شكل معادلة رياضية للتوضيح :
(نوم على غير هيئة المتمكن + استغراق و لو للحظة = انتقاض الوضوء )

أما إذا كان النائم غير مستغرق في النوم و يشعر بمن حوله و يسمعهم و لكن لا يعي ما يقولون مثلاً ، فهذا النوم لا ينقض الوضوء. و الله أعلم

التفصيل و البيان :

الوضوء شرط لصحة الصلاة ،فإذا انتقض فلا بد من إعادته لكي تكون الصلاة صحيحة مقبولة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم :” لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ “(1)

و نواقض الوضوء عند الشافعية أربعة و هي : ( خروج الخارج عن أحد السبيلين، والغلبةُ على العقل، ولمسُ الرجل المرأة، والمرأة الرجلَ، ومس الفرج) كما يقول العلماء (2)

و النوم داخلٌ في الناقض الثاني ( غلبة العقل أو زواله كلياً أو جزئياً ) ، و فيه تفصيل ، ولكن قبل التفصيل ينبغي أن نعرف المقصود بالغفلة كما ذكر السائل .

– فكلمة “الغفلة”  تُستخدم في بعض اللهجات العامية، و المقصود بها ” الغفوة أو الإغفاءة” في مصطلح العلماء و هي : النوم اليسير  أو النومة الخفيفة. (3)

– و النوم عند الشافعية لا ينقض الوضوء إلا في هذه الحالة :

و هي النوم على غير هيئة المتمكن مع الاستغراق :  سواء أكان نوماً طويلاً أو قصيراً و لو للحظة واحدة

– و معنى ” هيئة المتمكن” : أن يكون الإنسان جالساً ومقعدته ملتصقة بالأرض،

و أما غير المتمكن: فهو أن يكون هناك تجافٍ بين مقعدته والأرض.

– و معنى الاستغراق : أي أن لا يشعر النائم بما يجري حوله و لا يتحكم بتصرفاته أو أعضائه أو غير ذلك، فقد جاء في الحديث عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :” وِكاءُ السَّهِ العَيْنانِ، فمن نام فليتوضأ”(4)

و  معنى (وِكاء السَّه) : الوكاء ما يشد به رأس القِربة ونحوها، والسَّه: الاست، والمراد هنا : حَلقة الدُّبر. و المراد هنا : أن العين إذا نامت فقد الإنسان التحكم فيما يخرج منه كالريح و غيره .

و على هذا :

– فإذا كانت هذه النومة أو الإغفاءة على هيئة المتمكن _ أي الذي يمُكِّن مقعدته من الأرض ،كالجالس مثلاً ، فإنها لا تنقض الوضوء ، حتى ولو كان النائم مستغرقاً في نومه

فعن أنس – رضي الله عنه – قال: أقيمت الصلاة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يناجى رجلاً – أي يتحدث معه على انفراد بحيث لا يسمعهما أحد – فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه، ثم جاء فصلى بهم “متفق عليه (5)

وعنه أيضاً رضي الله عنه أنه قال: “كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينامون، ثم يصلون ولا يتوضأون”(6)

و واضح أنهم ناموا جالسين على هيئة التمكن، لأنهم كانوا في المسجد ينتظرون الصلاة، وعلى أمل أن يقطع حديثه – صلى الله عليه وسلم – فجأة ويصلي بهم

– أما إذا كانت هذه النومة على غير هيئة المتمكن – كالمضطجع مثلاً- فإنها تنقض في حالة الاستغراق في النوم فقط ، و لو للحظة . و على هذه الحالة تُحمل عموم الأحاديث الواردة في انتقاض الوضوء بالنوم (7)

 و من هذه الأحاديث : قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من نام فليتوضأ”(8)

وأيضاً حديث صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ: كَانَ النبي – صلى الله عليه وسلم – يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ وغَائِطٍ وَنَوْمٍ “(9)

و بناء على ماسبق :

فلو أنك -أيها السائل- اضطجعت وأغمضت عينيك، ثم جاءتك الغفوة، لكنك تسمع كلام الناس من حولك، وتسمع صوت الأقدام و غير ذلك ، لكن الانتباه ليس كاملاً ، فهذه النومة لا تنقض الوضوء ؛ أما إذا استغرقت و غبت عن الشعور و لو للحظة انتقض وضوؤك و الله أعلم.

المراجع و المصادر :

1 – صحيح البخاري : رقم (5934) و صحيح مسلم : ( 376 )

2 – ينظر : كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني [1\119 ]

3 – ينظر : كتاب معجم لغة الفقهاء للمؤلف الدكتور محمد رواس قلعجي صفحة (79) ، و كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس للزَّبيدي [ 39\176]

4 – أخرجه أبو داود رقم (203) و  أحمد في المسند (887) و ابن ماجه (477)

5 – صحيح البخاري : رقم ( 6954 ) و صحيح مسلم : ( 225 )

6 – صحيح مسلم  : رقم (5237 )

7 – ينظر : كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني [1\121-125 ] ، و كتاب: المنهاج القويم لابن حجر الهيتمي صفحة (37)

8 – سنن أبي داود : رقم (203)

9 – أخرجه الترمذي (3535) و قال حسن صحيح، والنسائي (127)، وابن ماجه (478)،

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ