هل نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم كله دفعة واحدة أم كيف؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
هل نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم كله دفعة واحدة أم كيف؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم,
لم يكن تنزيل القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلم دفعة واحدة، كما نزلت الكتب السابقة على الأنبياء كالتوراة والإنجيل، بل اختص الله تعالى هذا القرآن بنزوله مفرَّقا، بحسب المناسبات، واقتضاء الحال، فكثيرًا ما كانت تنزل خمس آيات، أو تنزل عشر آيات، أو أقل أو أكثر.
وقد استمر نزول القرآن ثلاثًا وعشرين سنة، منذ بَدء الوحي إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وهو في سن الأربعين، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى في الثالثة والستين من عمره الشريف صلّى الله عليه وسلم
ومن أدلة نزول القرآن مفرقاً:
قول الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان: 32] فقد بين الله تعالى عِلّة نزول القرآن مفرقاً، وهو تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقول الله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106] يقول ابن عطية في تفسير قول الله تعالى: (على مُكْثٍ): “وهذا كان مما أراد الله من نزوله بأسباب تقع في الأرض من أقوال وأفعال في أزمان محدودة معينة”. (1)
كما وردت آيات كثيرة تثبت نزول القرآن مفرقاً بحسب الوقائع؛ حين كان ينزل القرآن ليجيب عن أسئلة واستفسارات كانت ترد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنها: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 215].
ومنها: عندما سُئل النبي عن الروح: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85] وغير ذلك من الأسئلة والاستفسارات. ولا ريب أن تلك الأسئلة كانت تُرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفة وعلى نوبات متعددة حاكية أنهم سألوا ولا يزالون يسألون؛ فلا بد أن ينزل الجواب عليها كذلك في أوقاتها المختلفة ونوباتها المتعددة.
وكذلك كان القرآن ينزل مسايرة للحوادث والطوارئ في تجددها وتفرقها فكلما جدَّ جديد نزل من القرآن ما يناسبه وفصَّل الله لهم من أحكامه ما يوافقه؛ كما في حادثة الإفك؛ فقد نزل قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 11] وهن عشر آيات نزلن في حادث من أروع الحوادث، هو اتهام السيدة الجليلة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالإفك، فنزل القرآن يبين براءة الحَصَان الطاهرة من فوق سبع سموات. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، وكلها تثبت نزول القرآن مفرقاً.
وأخيراً:
من حِكَمِ نزول القرآن مفرقاً: تيسير حفظه وفهمه ومعرفة أحكامه، ومنها: التدرج في تربية هذه الأمة الناشئة علمًا وعملاً، ومنها: مسايرة الحوادث والطوارىء في تجددها وتفرقها، وغير ذلك من الحِكم التي نزل القرآن مفرقاً بسببها.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1):انظر: المحرر الوجيز لابن عطية (3/491).
(2): ينظر: مناهل العرفان (1/52) (1/58)؛ علوم القرآن د. عتر ص28.
[الشيخ] أنس الموسى
الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.