متى يجوز التبني وما شروطه؟
يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي
السؤال
متى يجوز التبني وما شروطه؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد و على آله وصحبه أجمعين، و بعد:
لا بد قبل بيان حكم التبني من توضيح المعنى المقصود منه، فهو كما ذكر العلماء: اتِّخَاذُ الشَّخْصِ وَلَدَ غَيْرِهِ ابْنًا لَهُ و نسبته إليه و تسميته باسمه، وقد استخدم الشرع كلمةً أخرى في الدلالة على نفس المعنى و هي كلمة (الادِّعَاءٌ)، و يقال للمتبنى (دّعيّ ).(1)
و هذا الأمر كان معروفاً في الجاهلية ومعمولاً به إلى أن جاء الإسلام و نزلت سورة الأحزاب بتحريمه، يقول تعالى : ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ .. ﴾ [الأحزاب 4-5]
و قد نزلت هذه الآيات في حقّ النبي صلى الله عليه و سلم وفي حقِّ متبناه زيد بن حارثة رضي الله عنه، يقول الطبري : (قول الله تعالى ذكره: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ ﴾ انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم، يقول لنبيه محمد ﷺ: ألحق نسب زيد بأبيه حارثة، ولا تدعه زيداً بن محمد.
وقولُه: ﴿هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾. يقولُ: دعاؤُكم إيَّاهم لآبائِهم هو أعدلُ عندَ اللهِ، وأصدقُ وأصوبُ من دعائِكم إيَّاهم لغيرِ آبائِهم، ونِسْبتِكُمُوهم إلى مَن تبَنَّاهم وادَّعاهم، وليسوا له بنينَ. ) (2)
و لزيادة التأكيد على حرمة التبني؛ فقد زوَّجَ اللهُ تعالى النبيَّ صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها، التي كانت زوجة زيد قبل ذلك، يقول الله تعالى في نفس السورة: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ﴾ [الأحزاب37]
و كذلك جاءت الأحاديث لتؤكِّد على هذا الحكم و تُشدد في تحريمه، يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ.» متفق عليه (3)
وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ.» البخاري(4)
و على هذا؛ فالتبني حرامٌ بهذا المعنى الذي ذكرناه أعلاه، أما إن كان السائل لا يقصد هذا المعنى، و إنما قصد مثلاً كفالة الأيتام وتربيتهم مع عياله أوكفالة طفل مشرّد أو غير ذلك فلا مانع من ذلك ولكن بشروط :
1- ألا يسميه باسمه وينسبه إليه، بل يحافظ على اسمه واسم أبيه وعائلته.
2- وأن يكون هنالك توثيق من قبل الجهات المختصة: من أجل المتابعة وحفظ الحقوق
3- وألا يكون هنالك توارث فيما بينهما، ولا مانع من الوصية له ضمن حدودها الشرعية
4- و أن يُعامل معاملة غير المحارم -سواء أكان ولداً أو بنتاً- من حيث الحجاب و النظر و الاستئذان و الخلوة و التزويج و غير ذلك و الله أعلم
و بذلك يمكن التوفيق بين تحريم التبني الذي فيه اختلاطٌ للأنساب، و بين القيام بحق التكافل الاجتماعي و رعاية الأيتام و المحتاجين، و هذا من الحكم و المقاصد العظيمة التي جاءت الشريعة لحفظها وصيانتها
فيمكن لك أيه الأخ السائل أن تتكفل برعاية يتيم أو محتاج أو مشرّد، أو تربية طفل -مثلاً- للتعويض عن حالة عدم الإنجاب؛ ولكن بشرط مراعاة الأمور التي ذكرناها أعلاه، و الله أعلم
الهوامش:
1- الموسوعة الفقهية الكويتية، [10\120]
2- تفسير الطبري [19\12]
3- صحيح البخاري، حديث رقم(6766)، و صحيح مسلم: حديث رقم (63)
4- صحيح البخاري، حديث رقم (3059)
[الشيخ] عبد السميع ياقتي
الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي
و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ