ما هي الأوقات التي يجب علينا فيها قراءة القرآن الكريم بتدبر وتأمل؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما هي الأوقات التي يجب علينا فيها قراءة القرآن الكريم بتدبر وتأمل؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا محمد رسول الله و على آله وصحبه و من والاه، و بعد:

يقول الله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء 82]، و يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ﴾ [ص 29]
هذه الآيات وغيرها كثير جاءت لتؤكد على ضرورة تدبر القرآن الكريم و التفكر فيه، و قراءته بتأمل و ترتيل و تبيين؛ ليحصل بذلك الفهم والتذكّر والخشوع و الحضور فيه

وهذه القراءة بهذا الشكل هي الأصل في قراءة القرآن، و هذا يكون في كل الأوقات، و خاصة في الأوقات التي يكون فيها الذهن صافياً والقلب حاضراً، كما في الثلث الأخير من الليل قبل صلاة الفجر، أو بعدها إلى طلوع الشمس، و في أثناء الصلاة، و في غير ذلك من الأوقات و الأحوال،
– فعن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : « أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ – وَهِيَ خَالَتُهُ -. قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا. فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى….» متفق عليه (1)

– وعن جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم أنه قَالَ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عليه قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ». متفق عليه (2)
و قد ذكر العلماء -شرَّاح الحديث في الصحيحين و غيرهما (3) – عدةَ أقوال في بيان المعنى المراد من قَوْله صل الله عليه و سلم : «مَا ائتلفت عليه قلوبكم» ، و منها :
–  أي مَا اجتمعت عليه قلوبكم في فهم معناه
– أو اقرؤُوه على نشَاطٍ منكم وخواطِرُكم مجموعةٌ (قلوبكم حاضرة)

و على هذا فعلينا أن نحرص -أثناء قراءة القرآن الكريم- على تدبره و التفكر فيه، قدر الإمكان خاصة أثناء الصلاة و في الأوقات المباركة، و التي يكون القلب فيها حاضراً كما ذكرناه أعلاه و الله أعلم.

الهوامش:
1- صحيح البخاري : رقم (992)، و صحيح مسلم : رقم (763)
2- صحيح البُخاريُّ: رقم (5060)، و صحيح مُسْلِم : رقم (2667).
3- ينظر الكتب التالية:
-فتح الباري بشرح البخاري ، لابن حجر العسقلاني ، [9\101]
-منحة الباري بشرح صحيح البخاري للإمام زكريا الأنصاري، [8\321]
-شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِي عِيَاض المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم، [8\160]
-والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للإمام النووي ، [16\218]

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ