ما هي أحكام التعوذ والبسملة؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هي أحكام التعوذ والبسملة؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

ابتدأَ القرآنُ بالبسملة، بل كل سورةٍ من سوره افتُتِحَت بالبسملة أيضاً، كما أن البسملة جزء من كلام الله تعالى؛ ورد في سورة النمل عند قوله تعالى: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * ‌إِنَّهُ ‌مِنْ ‌سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: 29-30]
وكذلك الإستعاذة ورد الأمر بقراءتها في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ‌فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98]

فهل يجب قراءة الاستعاذة والبسملة عند افتتاح كل قراءةٍ للقرآن، وعند ابتداء كل سورة؟

أولاً: الاستعاذة:

أجمع العلماء على أن الاستعاذة ليست من القرآن الكريم، ولكنها تُطلب لقراءته، لأن قراءته من أعظم الطاعات، وسعي الشيطان للصدِّ عنها أبلغ. وأيضا: القارئ يناجي ربه سبحانه وتعالى بكلامه، والله سبحانه يحب القارئَ الحسنَ التلاوة، ويستمع إليه، فأمر القارئَ بالاستعاذة لطرد الشيطان عند استماع الله سبحانه وتعالى له. (1)

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن قراءة الاستعاذة عند افتتاح القراءة سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب على قراءتها.

وروي عن عطاء والثوري: أن قراءتها واجبة، سواء أكانت القراءة من أول السورة، أو من خلالها؛ أخذًا بظاهر قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} ، ولأنها تدرأ شر الشيطان، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وللاستعاذة عند بَدء القراءة حالتان، هما: الجهر أو الإخفاء.

أما الجهر بها: فيُستحب عند بدء القراءة في موضعين:

1- إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وكان هناك من يستمع لقراءته.

2- إذا كان القارئ وسط جماعة يقرءون القرآن، وكان هو المبتدئ بالقراءة.

– ووجه الجهر بالاستعاذة: أن ينصت السامع للقراءة من أولها فلا يفوته شيء منها؛ لأن التعوذ شعار القراءة وعلامتها.

وأما إخفاؤها: فيُستحب في أربعة مواضع:

1- إذا كان القارئ يقرأ سرًّا.

2- إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وليس معه أحد يستمع لقراءته.

3- إذا كان يقرأ في الصلاة سواء كان إمامًا أم مأمومًا أم منفردًا، ولا سيما إذا كانت الصلاة جهرية.

4- إذا كان يقرأ وسط جماعة وليس هو المبتدئ بالقراءة.

ووجه الإسرار بالاستعاذة: ليحصل الفرق بين ما هو قرآن وما ليس بقرآن.

ملحوظة:

لو قطع القارئ قراءته لعذر طارئ كالعطاس أو التنحنح، أو لكلام يتعلق بمصلحة القراءة لا يعيد الاستعاذة.
أما لو قطعها إعراضًا عن القراءة، أو لكلام لا تعلق له بالقراءة ولو لِرَدِ السلام، فإنه يستأنف الاستعاذة. (2)
يقول الإمام الشاطبي:

95- إِذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرَأُ ‌فَاسْتَعِذْ … ‌جِهَاراً مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللهِ مُسْجَلَا

96 – عَلَى مَا أَتَى فِي النَّحْلِ يُسْراً … وَإِنْ تَزِدْ لِرَبِّكَ تَنْزِيهاً فَلَسْتَ مُجَهَّلَا

ثانياً: البسملة:

اتفقت كلمة أغلب القراء على أنه لا بد من قراءة البسملة عند افتتاح أي سورة من سور القرآن، إلا سورة براءة (التوبة) فإن القارئ لو أراد ابتداء القراءة في هذه السورة فإنه لا يبسمل، أما لو أراد القراءة من وسط السورة (ليس من بدايتها) فإنه مخير بين قراءة البسملة وعدم قراءتها.

يقول الإمام الشاطبي في منظومته حرز الأماني.

ولا ‌بدّ ‌منها ‌في ‌ابتدائك ‌سورةً … سواها وفي الأجزاء خيّر من تلا

وقال الشاطبي أيضاً:

ومهما تَصِلْها أو بَدَأتَ براءةً … لِتَنْزِيلِها بالسيفِ لستَ مُبَسْمِلا

علَّل الشاطبي في هذا البيت سبب ترك البسملة في أول سورة التوبة؛ بأنها نزلت مشتملة على السيف، وفيها الآية التي تسمى بآية السيف التي يقول الله تعالى فيها: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29] وقد نُقل هذا التعليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين سأله ابن عباس رضي الله عنهما عن سبب عدم كتابتها أول براءة، فقال: لأن “بسم الله” أمانٌ، وبراءة ليس فيها أمان؛ لأنها نزلت بالسيف ولا تَنَاسُبَ بين الأمان والسيف، ولأن العرب كانت تكتبها أول مراسلاتهم في الصلح والأمان والهدنة، فإذا نبذوا العهد ونقضوا الأيمان لم يكتبوها، ونزل القرآن على هذا الاصطلاح فصارت علامةَ الأمان، وعدمُها علامةَ نقضِه.(3)

وقال السخاوي: فيكون مخصوصًا بمن نزلت فيه، ونحن إنما نسمي للتبرك. (4)

والله تعالى أعلم

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1): الموسوعة الفقهية الكويتية (4/6).
(2): ينظر: ابن القاصح، سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي ص26؛ عطية صقر، غاية المريد في علم التجويد ص45.
(3): ينظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود ومعه حاشية ابن القيم (2/352)؛ عبد الفتاح القاضي، الوافي شرح الشاطبية ص49.
(4):  محمد بن أحمد الحنفي المعروف بعقيلة، الزيادة والإحسان في علوم القرآن (3/382).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.