ما هي آداب معلِّم القرآن الكريم ومتعلمه باختصار؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هي آداب معلِّم القرآن الكريم ومتعلمه باختصار؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
مما لاشك فيه أنّ أفضل ما ينبغي تعلُّمه أو تعليمه، هو كتاب الله تعالى؛ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌خَيْرُكُمْ ‌مَنْ ‌تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». (1)

وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه بتعليمهم القرآن، وعلى هذا مشى أصحابه رضي الله تعالى عنهم من بعده؛ ويؤيد هذا ما جاء عن ابْنُ مَسْعُودٍ أنه كان يُقْرِئُ الْقُرْآنَ رَجُلًا فَقَرَأَ الرَّجُلُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] مُرْسَلَةً (بدون مد) فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ” ‌مَا ‌هَكَذَا ‌أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] فَمَدَّدَها “. (2)

أمَّا آدابُ تعليم القرآن وتعلُّمه فكثيرة،

لكن هناك أمر مشترك ينبغي أن يتحقق به كل من الأستاذ والتلميذ على حدٍّ سواء ومن ذلك:

– أن يقصدَ كلٌّ من المعلِّم والمتعلِّم بعملهما وجه الله تعالى؛ مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ﴾ [البيِّنة: 5]. مخلصين لا يتصنعون لمخلوق، ولا يريدون اكتساب محمدةٍ عند الناس ولا ثناءٍ عليهم، ولا ارتفاع على أقرانهم، أو صَرْف وجوه الناس إليهم؛ فإنَّ الله تعالى قال: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ [الشُّورى: 20]

فعلى المعلِّم والمتعلِّم أن يكونا على ذُكرٍ بأن الإخلاص شرطُ قبول العمل، وبدونه قد تكون العاقبة خُسراً، وليتذكَّرا قولَ رسول الله في أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَى لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ، وعدَّ منهم: “وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ ‌لِيُقَالَ: ‌قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ..”. (3)

وجاء عَنْ سيدنا عَلِيٍّ رضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، قَولَه: ” ‌يَا ‌حَمَلَةَ ‌الْعِلْمِ ‌اعْمَلُوا ‌بِهِ، ‌فَإِنَّمَا ‌الْعَالِمُ ‌مَنْ ‌عَمِلَ ‌بِمَا ‌عَلِمَ وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ، وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ، يَجْلِسُونَ حِلَقاً فَيُبَاهِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ، أُولَئِكَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إِلَى اللَّهِ “. (4)
وعن الرّبيع بن سليمان المرادي قال: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: ‌”وددت ‌أَن ‌الْخَلق ‌تعلَّمُوا ‌هَذَا ‌الْعلم على أن لَا يُنْسب إلىّ مِنْهُ حرف”. (5)

أمّا آداب معلِّم القرآن فهذي بعضها:

– يجب على المعلِّم أن يصبر على تلميذه، وأن يترفَّق به، ولا يتضجَّر من أخطائه لو أخطأ، أو قصَّر في أداء ما طُلب منه. كما لا يُعنِّف تلميذاً أمام أقرانه، أو يصفه بأنه لا يحسن الأداء أو غير ذلك؛ فإن هذا يُحزن الطالب جداً، وربما دعاه للنفور من طلب العلم، أو الاستمرار فيه. قال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ‌إِنَّ ‌الرِّفْقَ ‌لَا ‌يَكُونُ ‌فِي ‌شَيْءٍ ‌إِلَّا ‌زَانَهُ، ‌وَلَا ‌يُنْزَعُ ‌مِنْ ‌شَيْءٍ ‌إِلَّا ‌شَانَهُ .». (6)

– بذل النصيحة للتلميذ بشكل مستمر؛ لتطويره وترقيته نحو الأفضل.

– أن يتذكر الأستاذ أنه قدوة لتلاميذه، فعليه بالاستقامة على دين الله تعالى؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

– أن يسلك الأستاذ مع تلميذه مسلك التدرج في التعليم، فيبدأ بتعليمه ما لا بد منه من أساسيات القراءة وأوليات أحكام التجويد، ثم يترقى به شيئاً فشيئاً حتى يصل للإتقان، ويختار له في كل مرحلة كتاباً مناسباً يقرؤه، ومتناً مناسباً يحفظه، فالرباني هو الذي يربي بصغار العلم قبل كباره والله تعالى قال: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا ‌رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]

أما آداب المتعلم فمنها:

– أن يَنشُدَ التلميذ عن المعلّم المتأهل الذي أخذ العلم والقراءة عن العلماء بالسند المتصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد له أهل العلم بالأهلية، فعَنْ ‌مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: « إِنَّ هَذَا ‌الْعِلْمَ ‌دِينٌ ‌فَانْظُرُوا ‌عَمَّنْ ‌تَأْخُذُونَ ‌دِينَكُمْ ». (7)

– أن يلتزم التلميذ الأدب مع أستاذه؛ فلا يرفع صوته بحضرته، ولا يتكلم مع أقرانه، ولا ينشغل عن أستاذه بأحاديث جانبية، أو يهمل ما أمره به شيخه من الواجبات…

– التواضع ولين الجانب مع الأستاذ، وألاَّ ينظر إليه بعين التنقيص؛ فلن ينتفع التلميذ بأستاذ لا يوقره.

– عدم الإلحاح على الشيخ بطلب القراءة حين اعتذاره؛ فقد يَعْرِضُ للشيخ ما يمنعه من الدرس من مرضٍ أو مناسبةٍ خاصة أو سواها..

– أن يحتمل التلميذ جفوة أستاذه أو قسوته في بعض الأحيان؛ فهو بشر، ولكل إنسان ظروفه وأحواله، ولن يشرح الأستاذ للتلميذ كل ما يشعر به من حزن أو انشغال بال، أو ضيق حال أو…

وصدق من قال:

اصبر على مُرِّ الجفا من معلّمٍ … ‌فإن ‌رسوخ ‌العلم ‌في ‌نفَراتِهِ
مَن لم يذُق مُرَّ التعلِّم ساعًة … تجرع كأس الجهلِ طولَ حياتِه

– لا يطلب التلميذ من الأستاذ القراءة عليه حين يعلم أن أستاذه قد أصابه التعب أو الملل أو…

– أن يخص التلميذُ أستاذه بالتبجيل والتوقير دون غيره من الناس؛ فقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” ‌لَيْسَ ‌مِنَّا ‌مَنْ ‌لَمْ ‌يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ “. (8)  وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ‌”مِن ‌حق ‌المعلّم ‌عليك، ‌أن ‌تسلّم ‌على ‌الناس ‌عامة وتخصَّه دونهم بتحية، وأن تجلس أمامه ولا تشيرنّ عنده بيدك، ولا تغمِزَنَّ بعينيك، ولا تقولنَّ قال فلان خلاف ما تقول، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، ولا تشاور جليسك في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه إذا قام، ولا تُلحَّ عليه إذا كَسِلَ، ولا تُعرِض (أي تشبع من طول صحبته)”. (9)

– أن يردَّ التلميذ غِيبةَ شيخه إنْ قَدَر على ذلك، فإن تعذَّر عليه ردُّها فارق ذلك المجلس.

– أن يكثر من الدعاء لأساتيذه؛ فهم أصحاب الفضل عليه الذين علّموه وأدبوه ونصحوه.

– أن يستحضر الطالب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل تعلم القرآن: ” الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ‌وَهُوَ ‌مَاهِرٌ ‌بِهِ ‌مَعَ ‌السَّفَرَةِ ‌الْكِرَامِ ‌الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ “. (10)

– وأن يستحضر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ‌مَثَلُ ‌الْمُؤْمِنِ ‌الَّذِي ‌يَقْرَأُ ‌الْقُرْآنَ ‌مَثَلُ ‌الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ». (11)

نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1): صحيح البخاري (5027).
(2): المعجم الكبير للطبراني (8677)؛ النشر في القراءات العشر لابن الجزري (1/316).
(3): سنن النسائي (3137).
(4): سنن الدارمي (388).
(5): التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص36.
(6):  صحيح مسلم (2594).
(7): صحيح مسلم (1/14)؛ سنن الدارمي (438).
(8): مسند أحمد (2329).
(9): التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص47.
(10):  مسند أحمد (24211).
(11): صحيح مسلم (797).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.