لماذا منع النبي ﷺ الصحابة من كتب ما ليس بقرآن؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

لماذا منع النبي ﷺ الصحابة من كتب ما ليس بقرآن؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لقد سمح المصطفى ﷺ لأصحابه أن يكتبوا عنه القرآن، ومنعهم من كتابة أي شيء آخر يصدر عنه، فقال: ” لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ ‌فَلْيَمْحُهُ…”[1].

وسبب هذا النهي هو الخشية من أن يختلط على ‏بعض الناس القرآن بالسنة؛ فسداً لهذه الذريعة وقع النهي، وإلاّ فإن هذا النهي وقع عاماً، والدليل على ذلك إذنه ﷺ لبعض الصحابة بكتابة ما يصدر عنه من السنّة، وكان هذا الإذن لظروف خاصة ‏وملابسات معينه، كما حدث مع أَبي شَاهٍ – رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- حين طلب من النبي ﷺ أن يأمر أصحابه أن يكتبوا له خطبته التي خطبها ﷺ؛ فقال أبو شاه: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “‌اكْتُبُوا ‌لِأَبِي ‌شَاهٍ”[2].

ويؤيد ذلك قول أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: “مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مني، إلا ما كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، ‌فَإِنَّهُ ‌كَانَ ‌يَكْتُبُ ‌وَلَا ‌أَكْتُبُ”[3].

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: تَكْتُبُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌يَقُولُ ‌فِي ‌الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ، حَتَّى ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: ” اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ “[4].

وما جاء عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، قال: قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلا في القرآن، ‌وما ‌في ‌هذه ‌الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ”[5].

فالنبي ﷺ أذن في الكتابة عنه، لمن خشي عليه ‏النسيان، ونهى عن الكتابة عنه لمن وثق بحفظه مخافة الاتكال على الكتابة، وحين خاف عليهم اختلاط ذلك بصحف القرآن، وأذن في كتابته حين أُمِنَ من ‏ذلك، ثم لم يبق موجب للنهي بعد ذلك، وقام العلماء بجمع سنة المصطفى ﷺ، كما هو حاصل الآن في دواوين السنة المشرفة، حين انتفى المحذور، وتحقيقاً لوعد الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الدين بقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ ‌لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]. والله تعالى أعلم

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[1] صحيح مسلم (3004).
[2] صحيح البخاري (2434).
[3] صحيح البخاري (113).
[4] مسند أحمد (6802).
[5] صحيح البخاري (2882).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.