كيف نتخلص من الوساوس في العبادات؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف نتخلص من الوساوس في العبادات؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

الأصل في علاج هذه المسألة المهمة الْحَدِيثُ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَّهُ شُكِيَ إلَيْهِ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إليه الشيء فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ ريحاً) متفق عليه (1)

 يقول النووي في المجموع معلقاً على هذا الحديث العظيم : ” قال أَصْحَابُنَا نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ وَالْيَقِينَ لَا يُتْرَكُ حُكْمُهُ بِالشَّكِّ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَطْرَدَةٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا مَسَائِلُ يَسِيرَةٌ لِأَدِلَّةٍ خَاصَّةٍ عَلَى تَخْصِيصِهَا وَبَعْضُهَا إذَا حُقِّقَ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا ..”(2)

و من أهم طرق معالجة الوسواس التي دلّ عليها هذا الحديث و غيره:

أولاً – العلم ومعرفة الأحكام : و خاصة معرفة الأركان الأساسية التي تصح بها العبادات و الإتيان بها، يقول إمام الحرمين: (والوسوسة مصدرها الجهل بمسالك الشريعة، أو نقصانٌ في غريزة العقل ..)،(3)

ثانياً – الْإِعْرَاضُ عَنْ الوسوسة ؛ وَإِنْ كَانَ فِي النَّفْسِ مِنْ التَّرَدُّدِ مَا كَانَ، و بذلك يقطعها و إلا زادت

ثالثاً – البعد عن ما يسبب الوسواس و يؤدي إليه : يقول النووي : “قال المصنف رحمه الله : وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا يبولنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عامة الوسواس منه] هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ…)(4)

رابعاً – الاعتماد على اليقين و البناء عليه: و عدم الالتفات إلى الشك كما في القاعدة الفقهية التي دلّ عليها الحديث أعلاه (اليقين لا يزول بالشك)

خامساً – فعل بعض الأمور التي تقطع الوسواس وتصرف التفكير  إليها : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أن النبي صلى الله عليه و سلم قَالَ: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَأْخُذْ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَلْيَنْضَحْ بِهَا فَرْجَهُ) (5)، وذكر ابن حجر العسقلاني هذه الرواية بزيادة عبارة (فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ فَلْيَقُلْ إِنَّ ذَلِكَ منه).(6)

سادساً – الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم : كما قال تعالى : ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  ﴾ [الأعراف 200]

فهذه أهم الطرق في التخلص من الوسواس و علاجه، و لأهمية هذه المسألة فقد أفرد لها بعض العلماء كتاباً خاصاً ككِتَابَ “التَّبْصِرَةِ فِي الْوَسْوَسَةِ“، للإمام أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ (والد إمام الحرمين) رَحِمَهُ اللَّهُ فيمكن الرجوع إليه. و الله أعلم

الهوامش:
1- صحيح البخاري : رقم (208) ، و صحيح مسلم : رقم (361)
2- المجموع شرح المهذب للنووي : [1\205 ]
3- نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني، [1\44]
4- المجموع شرح المهذب للنووي : [2\91]
5- سنن أبي داود برقم : (166)، و مسند أحمد برقم (15384)
5- المطالب العالية لابن حجر العسقلاني: [2\345]  باب (النضح بعد الوضوء)

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ