كيف أجعل أولادي يحترمونني أكثر؟
يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي
السؤال
كيف أجعل أولادي يحترمونني أكثر؟
الجواب
يجب على الآباء إعانة أولادهم على برهم و احترامهم، و ذلك بتربيتهم منذ الصغر على طاعة الوالدين و البر بهما ،و التحلي بالآداب و الأخلاق الكريمة ، ثم مراعاة حال الأولاد في كل مرحلة عمرية بما يناسبهم من التعامل و التصرفات، و خاصة عندما يصلون إلى مرحلة البلوغ و الشباب، بالإضافة إلى غرس القيم و الآداب المجتمعية الحسنة و تعويدهم عليها كاحترام الكبار و أهل العلم و الفضل و المكانة و توجيههم و تذكيرهم و وعظهم بالحسنى؛ فهذا سينعكس مباشرة على طريقة تعاملهم مع آبائهم و أمهاتهم .
البيان و التفصيل :
احترام الأولاد و تقديرهم لآبائهم هو ثمرة طبيعية من ثمار التربية الصالحة، و نتيجة من نتائجها ، فيجب على الآباء و الأمهات إعانة أولادهم و تربيتهم على ذلك، قال الحافظ الإمام ابن عبد البَر -رحمه الله تعالى – كما نقل عنه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في كتابه من أدب الإسلام- : “وحقٌ عليهما أن يعيناه على برِّهما، بلين جانبهما، وإرفاقه بذات أيديهما، فما وصل العبادُ إلى طاعة الله و أداء فرائضه إلا بعونه لهم على ذلك”(1)
و على هذا فيمكنني أن أجعل أولادي يحترمونني عن طريق الأمور التالية :
- 1- تربيتهم منذ الصغر على طاعة الوالدين و البر بهما و احترامهما ؛ كما نربيهم على سائر العبادات ، قال تعالى :
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24]
- 2- تربيتهم على التحلي بمكارم الأخلاق و التأدب بها و البعد عن مساوئها، و خاصة الأدب مع الوالدين ، يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في كتابه من أدب الإسلام :
(راعِ الأدب مع أبيك و أمك أتمَّ المراعاة فإنهما أحق الناس منك بذلك، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن الصحبة مني؟قال :” أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك “ رواه البخاري و مسلم، و حدث هشام بن عروة عن أبيه ، أن أبا هريرة رضي الله عنه رأى رجلاً يمشي بين يدي رجل، فقال له : ما هذا منك؟ قال : أبي، فقال له : فلا تمشِ بين يديه، و لا تجلس حتى يجلس، و لا تَدْعُهُ باسمه .رواه البخاري في الأدب المفرد و عبد الرزاق في مصنفه و اللفظ له)(2)
- 3- حسن التعامل معهم ، و القيام بالمسؤوليات تجاههم، و عدم ظلمهم أو التفريق بينهم في الأمور المادية أو المعنوية: فعن سيدنا عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -: قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- يقول:
«كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها، والخادم في مال سيده راع، وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ» متفق عليه (3)
- 4- احترامهم و عدم تسفيههم أو التقليل من شأنهم أمام الناس خاصة الأقارب و الأصدقاء
- 5- تعليمهم معنى الاحترام و التقدير: و ما هي الكلمات و التصرفات التي تدل على ذلك، و توجيههم إلى البعد عن الألفاظ و الأفعال و التصرفات التي تتنافى معه، بما يتوافق مع العرف السليم و عادات و تقاليد المجتمع الصحيحة، ثم متابعتهم على ذلك.
و هذه بعض صور و مظاهر الاحترام كما نقلها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عن ابن عبد البر -رحمهما الله تعالى – حيث قال : ” و قال الحافظ الإمام ابن عبد البَر رحمه الله تعالى :
و بِرُّهُمَا: خفضُ الجناح، ولينُ الكلام، وألا ينظر إليهما إلا بعين المحبة والإجلال، ولا يعلو عليهما في مقال إلا أن يريد إسماعهما، ويبسط أيديهما في نعمته، ولا يستأثر عليهما في مطعمه ولا مشربه.
ولا يتقدم أحد أباه إذا مشى معه، ولا يتقدمه في القول في مجلسه فيم يعلم أنه أولى به منه.
ويتوقى سخطهما بجهده ، ويسعى في مسرتهما بمبلغ طاقته …
وعليه أن يسرع إجابتهما إذا دعواه أو أحدهما ، فإن كان في الصلاة النافلة خففها وتجاوز فيها
ولا يقل لهما إلا قولاً كريما” (4) .
- 6- تعليمهم على احترام الكبار و أهل الفضل و العلم و المكانة و تقديرهم : فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، أنه قال : جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» (5)
و عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، قَالَ:
“لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ”(6)
- 7- وعظهم بالحسنى و محاورتهم بلطف و محبة و تذكيرهم بحقوق الآباء على الأبناء و عرض الآيات و الأحاديث في ذلك . و الله أعلم
بناء على ما سبق :
أنصحك أخي السائل – الأب أو الأم- بمراعاة حق الله في تربية أولادك حق التربية منذ الصغر؛ لأنك أول من يجني ثمراتها عند الكبر ، فالأولاد كالغراس كلما كان إنباتها طيباً ؛كلما كان أُكلها طيباً ، و العكس صحيح .. ثم أنصحك بتطبيق الخطوات و المبادئ التي ذكرناها أعلاه أيضاً ،ففيها -إن شاء الله- استدراك ما كان من تقصير في تربيتهم ،عسى أن يكرمك الله ببرهم
و نسأل الله التوفيق و الهداية لنا و لكم و لهم و لجميع المسلمين و الحمد لله رب العالمين.
المصادر و المراجع :
2- المرجع السابق صفحة (44)
3- صحيح البخاري : [7\41] رقم (5200) ، و صحيح مسلم : [6\7]، رقم (1829)
4- كتاب من أدب الإسلام للشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله : صفحة (46)
5- سنن الترمذي : رقم (1919)
6- أخرجه أحمد :[5\323]، رقم (22807) ، والحاكم [1\211] رقم (421)
7- أخرجه أبو داود رقم (4843).