يشاهد المسلم المتدين في أيامنا هذه منكرات كثيرة في مجتمعه وطريقه، ما هي الطريقة الحكيمة ليواجه بها ذلك المنكر الذي يراه؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

يشاهد المسلم المتدين في أيامنا هذه منكرات كثيرة في مجتمعه وطريقه، ما هي الطريقة الحكيمة ليواجه بها ذلك المنكر الذي يراه؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لاشك أن إنكار المنكر واجب شرعي، وهو من القربات التي يُتقرب بها إلى الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ ‌خَيْرَ ‌أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]

وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اله تعالى عنه، قَالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَّنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّ النَّاسَ إِذَا ‌رَأَوْا ‌الظَّالِمَ ‌فَلَمْ ‌يَأْخُذُوا ‌عَلَى ‌يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ “. (1)

والنهي عن المنكر إذا لم يتم بشكل مناسب وصحيح ربما عاد بالضرر، وإليك أخي السائل بعض النصائح للطريقة الحكيمة لإنكار المنكر:

الإخلاص في إنكار المنكر: فيجب أن تكون نيتك عند تغيير المنكر خالصة لله تعالى، وهدفك هو الإصلاح، وليس الانتقاد أو الإحراج، أو التشفي.

التأكد أن المنكر الذي تود النهي عنه متفقٌ على إنكاره بين العلماء، وليس مجرد اختلاف وجهات النظر، أو أن ما تراه منكرًا هو اجتهاد لبعض أهل العلم؛ لهذا يجب الاستعانة بالعلماء وأخذ مشورتهم للحصول على النصيحة حول كيفية التعامل مع هذا المنكر.

اختيار الأسلوب المناسب لتغير المنكر: فلكل منكر ظروفه وملابساته؛ لهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتب لتغيره فقال: ” مَنْ ‌رَأَى ‌مِنْكُمْ ‌مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ .». (2)

كما ويجب أن يتم تغيير المنكر – سواء باليد أو باللسان – بأسلوب لطيفٍ مهذبٍ، مصحوباً  بالرفق واللين، قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ‌بِالْحِكْمَةِ ‌وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]

 – التدرج في إنكار المنكر: كأن تكون البداية بالنصح بالكلمة الطيبة، وإذا لم يستجب الشخص، يمكنك الانتقال إلى الإنكار باليد إذا كنت في موقع يسمح لك بذلك، مثل أن تكون ولي أمر أو مسؤولًا.

  مراعاة المصالح والمفاسد في تغيير المنكر، فينبغي ألا يؤدي تغيير المنكر لمنكر أشد.

 إخفاء النهي عن المنكر قدر الإمكان: فإذا كان المنكر لا يجاهر به صاحبه، فحاول أن تنصحه على انفراد؛ تجنباً لإحراجه أمام الآخرين. لهذا لا بد أن يتحلى من ينهى عن المنكر بالحكمة.

 يجب أن يتحلى من ينهى عن المنكر بالصبر والتحمل؛ فقد لا يستجيب الشخص من المرة الأولى، وربما كانت له ردة فعل عنيفة؛ لذا كن صبورًا واستمر في النصح بلطف ورفق.

وأخيراً:

ألفت نظر السائل أن هناك نوعاً خاصاً للنهي عن المنكرات، وهو المقاطعة، فقد تكون مقاطعة بعض الأشخاص أو المؤسسات والهيئات ممن يجاهر بفعل المنكرات ولا يأبه بالنصائح التي توجه لهم في بعض الأحيان وسيلة من وسائل إنكار المنكر ؛ فلا نشتري منهم بضائعهم ولا نتعامل معهم، فيعيش من يفعل المنكر نوعاً من الحصار الاجتماعي، يدفعه للعودة للصواب والهدى والرشاد.  والله تعالى أعلم

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): سنن أبي داود (4338).
(2): صحيح مسلم (49).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.