هل يمكن تدبر القرآن بدون معرفة اللغة العربية؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل يمكن تدبر القرآن بدون معرفة اللغة العربية؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

بيَّنَ اللهُ سبحانه الغايةَ من إنزالِ القرآنِ، فقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، فالتفكر في آيات الله والتدبر لها يوصل إلى الهداية بكتاب الله {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]

إِنَّ تدبر القرآن هو التأمُّلُ في آياته لفهم معناها، والتوصُّلُ إلى معرفةِ مقاصدِ تلك الآياتِ وأهدافها، وما ترمي إليه من المعاني والحِكَمِ والأحكام، وذلك بقصد الانتفاع بما فيها من العلم والإيمان،  والامتثال بما تدعو إليه.. ولكن كيف يمكن تدبُّر القرآن الكريم لمن لا يعرف العربية؟

أخي السائل: أفضل طريقة تعينك على فهم القرآن وتدبّر معانيه هو أن تتعلم اللغة العربية؛ فمن وسائل التدبر: فهمُ اللغةِ العربيةِ التي نزل بها القرآن، ومعرفة معاني الكلمات ودَِلالاتها، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وكلما ازداد الإنسان معرفة باللغة العربية استطاع أن يفهم القرآن بطريقة أفضل، وأدرك مِنْ بلاغته وإعجازه ما يُحَرِّكُ القلوبَ ويُبْهِرُ الألباب. أمَّا إن كان يصعب عليك تعلم العربية فلم يبق أمامك إلاً أن:

تقرأ ترجمة القرآن إلى لغتك الأم، وتتفكَّر في تلك المعاني، وتذكر أن ترجمة القرآن هي تفسيره، ونحن إذ نقول ترجمة القرآن لا نقصد الترجمة الحرفية له فهي غير جائزة بل قد تعود عليه بالتحريف، وإنما نقصد الترجمة التفسيرية التي تعني فهم الآيات، ثم نقل هذا الفهم إلى اللغة الأخرى. لذا عليك أن تبحث عن تفسير معتمدً للقرآن الكريم بلغتك، وتأمل في المعاني المنقولة فيه، وإياك أن تترك التلاوة إن كنت قادراً عليها، أو الاستماع إن لم تكن قادراً على التلاوة؛ فالقرآن له أثره في القلوب والنفوس فهمناه أو لم نفهمه، وإن كانت القراءة مع الفهم لا شك أفضل وأشد أثراً.

لقد أخبر الله تعالى عن القرآن أنه شفاء، إذًا هو شفاء لمن فهم معناه ولمن لم يفهمه، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] والله الذي خلق عباده هو أعلم بما يصلحهم هو من قال هذا {ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]  بل إن تأثير القرآن في من لا يفهمه نوع من إعجازه.

وأنصحك اخي السائل أن تفتش عن قارئ صاحب صوت شجي تستمع لقراءته ففي ذلك خير كثير لقلبك وروحك.

كما أن بإمكانك أخي السائل الاستعانة بالدروس والمحاضرات المسجلة بلغتك، والتي تفسر كلام الله تعالى، وحاول تطبيق تعاليم القرآن مما تسمعه في حياتك اليومية وشؤونك الشخصية، أو ابحث عن القيم والأخلاق التي يدعو إليها القرآن وحاول تطبيقها، فهذا جزء لا يستغنى عنه من التدبر.

 وفي النهاية، القرآن يحمل رسالةً للبشرية جمعاء، وتدبر هذه الرسالة يمكن أن يكون ممكنًا حتى بالاعتماد على الترجمات، كما أن استقبال رسائل القرآن تصل لمن فهم لغته ولمن لا يفهم.

أعانني الله وإياك على تدبر القرآن وتطبيق أوامره ونواهيه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.