هل يمكن أن نجمع بين إظهار أعمال الخير وبين الحذر من الوقوع في الرياء؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
هل يمكن أن نجمع بين إظهار أعمال الخير وبين الحذر من الوقوع في الرياء؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
نعم يمكن الجمع بين إظهار عمل الخير، دون الوقوع بكبيرة الرياء، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم، حضَّ الناس على الصدقة؛ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ .». (1)
فقد تصدق الصحابة علانية أمام بعضهم، ولو كان هذا العمل من الصحابة رياءً لنهاهم عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدل على جواز ذلك.
– إن فعل الخير – مهما كان نوعه- إذا حدث أمام الناس، قد يدفع ويشجع الآخرين على فعله أيضاً، بشرط تحقق النية الصادقة بابتغاء الأجر من الله تعالى، دون السعي وراء محمدة الناس ومديحهم، فقبول الأعمال على النية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». (2)
وأخيراً: إن القول بجواز القيام ببعض أفعال الخير أمام الناس، لا يعني أن يقوم الإنسان بكل أعماله أمام الناس، بل جوازه عند الحاجة والداعي له، فخطر الرياء عظيم، وهو الشرك الأصغر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ ” قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” الرِّيَاءُ…”. (3) لهذا لا بد أن يكون للمسلم خبيئةٌ من عمل صالح بينه وبين الله تعالى، لا يطلع عليها سواه، مصداق قوله سبحانه: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) [البقرة: 271].
وأنصح السائل إذا خشي من الرياء أثناء عمله الصالحات، أن يتذكر أن كلّ أقواله وأفعاله، وما يملكه من مال، وما يتصدق به …كله من فضل الله تعالى عليه، وأن العبد ليس له من الأمر شيء، بل هو مجرد وسيلة لتحقيق الخير؛ مصداق قوله سبحانه: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58] والله تعالى أعلم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): صحيح مسلم (1017).
(2): صحيح البخاري (1).
(3): مسند أحمد (23630).
الشيخ أنس الموسى
هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.