هل يفسد الصوم بابتلاع الماء خطأ أثناء الوضوء أو غيره؟(حنفي)

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛

أخي السائل أكرمكم الله تعالى؛

يفسد الصوم بابتلاع الماء خطأً سواء كان أثناء الوضوء أو غيره في المذهب الحنفي، ويجب الإمساك عن يومه في رمضان، ويقضي هذا اليوم، وهذا بخلاف النسيان، فهو لا يفسد الصيام.

قد يستغرب المرء في هذا الحكم في هذه المسالة، وقد يتساءل فيقول: لِمَ لا يكون حكم المخطىء مثل الناسي فإنه لا فرق بينهما؟
نعم صحيح، سؤال وارد وممكن، ولكن أخي السا ئل؛ حتى يتضح لك الفارق بين المعنيين الخطأ والنسيان في المسألةالفقهية، لابد أن نشرحهما و نضرب لك مثلاً لكل واحد منهما:

النسيان: هو عدم ذكر الشيء الذي كان مذكوراً مع قصد الفعل، مثاله: أكل أو شرب ناسياً وهو صائم، أي: أكل أو شرب وهو في حالة عدم ذكر صيامه ألبتة، وتعمد الأكل والشرب، فالنسيان لا يفسد الصوم مطلقاً سواء كان في فرض أداء أو قضاءً، أو في واجب أو في نفل.
الخطأ: هو ذكر الشيء ولا قصدَ في الفعل، فيُفعَل غير المقصود، مثاله من تمضمض في الوضوء وهو صائم، فابتلع الماء خطأً، أي: ابتلع الماء في حالة ذكرٍ لصومه ولم يكن يتعمد الابتلاع، ولكن حدث دون قصد، ويعتبر سبق فعل. فالخطأ يفسد الصوم سواء كان فرضاً أو واجباً أو نفلاً.
خلاصة الفرق بين الناسي والمخطيء: أن الناسي قاصد للفعل غير ذاكر للصوم، والمخطئ ذاكر للصوم غير قاصد للفعل. [ ينظر: البناية]

فالنسيان والخطأ يتفقان في حكم رفع الإثم عن كلٍ من الناسي والمخطِىء في الأكل والشرب في رمضان مثلاً، لقوله – صلى الله عليه وسلم – “إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ” [سنن ابن ماجه]
وإنما يختلفان في حكم فساد الصوم وعدمه، فلا يفسد بالنسيان ويفسد بالخطأ، وهما في الصورة الظاهرية سواء حيث يوجد خرق للامتناع عن الطعام والشراب، ولكن جاء النص بعدم فساده بالنسيان لقوله صلى الله عليه وسلم -: “إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ” [صحيح البخاري] ولم يأت النص بعدم فساده بالخطأ فيبقى على صورته الأصلية بأنه يفسد ولكن دون إثم، (والشريعة الإسلامية فيها من التخفيف واليسر فنظرت إلى النسيان فوجدته غالباً عند الناس فلا يمكن الاحتراز عنه فيعذرون، بخلاف الخطأ فهو نادر، فلا يصح أن نقيسه على النسيان للفارق بينهما، ونقطة مهمة أن النسيان جاء من قِبَل الله تعالى، ولهذا جاء النص : إنما أطعمه الله وسقاه، ولم يرد ذلك في الخطأ) [ينظر: تبيين الحقائق]

خاتمة القول في فائدة جميلة عند الحنفية في هذه المسألة: التفريق بين الناسي والمخطىء في الحكم في مسألتنا دقيق جدأ، وفيه حكمة بالغة، وهو أن النسيان أمرعارض غير قادرعلى التحكم فيه، بخلاف الخطأ أمرعارض يمكن التحكم فيه باجتنابه وبالاحتياط، فهذا تنبيه للمخطئين في أنه من اخترق صورة الصيام وهو متذكر دون قصد بأن يأخذوا كامل الاحتياط بأن يكونوا على وعي أتم لفعلهم حتى لا يقعوا في الخطأ فيفسدون صيامهم، وبما أن هذا الاحتياط لم يحدث منهم، ثبت عليهم القضاء بسبب عدم التحوط.

والله أعلم وأحكم وهو الذي يلهم خلقه.

– البناية شرح الهداية، محمود بن أحمد، بدر الدين العيني، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط1،(1420هـ -2000م) 37/4
– سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، (1952م) 659/1 ر: 2043
– صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: البغا، دار ابن كثير، دمشق – سوريا، ط5، (1414هـ – 1993م) 682/2 ر:1831
– تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، عثمان بن علي الزيلعي، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، القاهرة، ط1، (1413هـ) 322/1