هل يحق للورثة تقسيم مال المورث إذا كان المال حراما أو فيه شبهة؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

هل يحق للورثة تقسيم مال المورث إذا كان المال حراما أو فيه شبهة؟

الجواب

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمما لاشك فيه أنه يجب على الإنسان المسلم أن يتحرى الكسب الحلال و يبذل جهده للكسب الحلال لأن هذا مما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ : عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ »([1]).

وقد جاء التحذير من الانتفاع بالحرام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } . وَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» . ([2])؛

والمال الحرام من أي مصدر كان سبب للعنة الله وغضبه وعقابه

عن أبي وائل الأسدي رحمه الله عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلفَ يمينَ صبْرٍ ليقتطِعَ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، لقِيَ الله وهو عليه غضبانُ، فأنزل الله تصديقَ ذلك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].

كما لعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الرِّبَا ومؤكِلَه، وكاتِبَه، وشاهِدَه؛

عَنْ جَابِرٍ قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : «هُمْ سَوَاءٌ» ([3]).

كما لعن الله تعالى الراشي والمرتشي؛

عَنْ ثَوْبَانَ ، – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – ، عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : «لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا»  ([4])

ولعن الله عزَّ وجلَّ السارقَ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ» ([5])

ولعن الله عزَّ وجلَّ من باعَ الخمر أو اشترَاها؛

 عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ ، وَلَعَنَ سَاقِيَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ، وَبَايِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا» ([6]) .

والمال الحرام هو كل مال حرم الشارع على المسلم تملكه والانتفاع به،([7])

و قد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز ملكية المال الحرام بالإرث، إذا كان الوارث يعلم أن مورثه قد اكتسبه بطريق حرام ، وسبب اختلافهم هو هل للوارث أن يحوز هذا المال مع علمه بحرمة كسبه ، وعدم إقرار الشارع للوسيلة التي جاء بواسطتها؟

أم أنه يجوز له أن يأخذه، والإثم في ذمة المورث الذي سعى في كسبه بطريق محرم؟

فذهب الجمهور وهم فقهاء المذاهب الأربعة : الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الموت لا يطيب المال الحرام فلا يحل للورثة أن يرثوه ويتملكوه خاصة إذا علموا بطريق قطعي لا مرية فيه أن مصدره حرام شرعا، وعليهم التخلص من هذا المال برده إلى صاحبه، أو أصحابه إن كانوا على قيد الحياة موجودين ولعناوينهم عارفين وإلا صرفوه إلى وجوه الخير والبر ،

يقول الإمام النووي رحمه الله: مَنْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ مُوَرِّثُهُ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ حَرَامٍ وَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةً فَهُوَ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ

قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى وَارِثِهِ وَإِنْ كَانَ لِمَالِكٍ لَا يَعْرِفُهُ وَيَئِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ ([8])

ويقول ابن عابدين رحمه الله: وهو حرام مطلقاً على الورثة؛ أي سواء علموا أربابه أو لا، فإن علموا أربابه ردوه عليهم، وإلا تصدقوا به ([9])

 وقال ابن رشد: وأما الميراث : فلا يُطَيِّب المال الحرام ، هذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر . وقد روي عن بعض من تقدم أن الميراث يطيبه للوارث، وليس ذلك بصحيح([10])

وجاء في الإنصاف: نقل الأثرم وغير واحد عن الإمام أحمد رحمه الله فيمن ورث مالا فيه حرام: إن عرف شيئًا بعينه رده. وإن كان الغالب على ماله الفساد تنزه عنه،([11]).

والقول بأن المورث مات والوزر عليه دون الوارث لا يغير من حقيقة أن هذا المال جاء بطريق محرم لا يقره الشارع

وهذا كله فيما إذا كان رب المال الحقيقي معروفا ،

وأما إذا كان مجهولا كما هو الواقع في أغلب الأموال المحرمة في زماننا هذا ، إذ الغالب فيها أن تكون فوائد ربوية أو رشاوى ، أو نحو ذلك مما يصعب معه تحديد المالك الحقيقي ، فالظاهر أنه لا يجوز تملكه بالإرث أيضا ، وذلك أن المال في الأصل ملك لله تعالى ، يبين ذلك قوله تعالى : ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) وقوله (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) وقد ملكه الله تعالى لعباده بالطرق المشروعة التي أذن فيها ، فإن جهل مالكه الحالي ، عاد إلى مالكه الأصلي وهو الله تبارك وتعالى.

ولما كان الله تعالى غنيا عن كل ملك فقد ملكه لعباده الفقراء، فيعاد هذا المال إليهم بالصدقة، وإذا كان الورثة فقراء ساغ لهم أن يأخذوا هذا المال إذا كان مجهول المالك، وليأخذوه على سبيل الصدقة عليهم، لا على سبيل الميراث.

نسأل الله أن يوفقنا للحلال و أن يبعد عنا الحرام و الشبهات إنه سميع مجيب

([1]) الترمذي (2416) وأبو يعلى (5271) والبزار (1435) والطبراني (9772)
([2]) مسلم (1015) والترمذي (2989) والدارمي (2759)
([3]) مسلم (1598)
([4]) الحاكم (7160) وأحمد (22834) والبزار (4160) وابن أبي شيبة (22397)
([5]) البخاري (6783) ومسلم (1687)
([6])الحاكم (2248) وأبو داود (3674) وابن ماجه (3380) وأحمد (4879)
([7])أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي لــ عباس أحمد محمد الباز ص 40
([8]) المجموع (9/ 351).
([9]) رد المحتار (6/ 386).
([10]) المقدمات الممهدات (2/159)
([11]) الإنصاف (21/328)

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.