هل يجوز لي أن أمسح على حذائي أو جوربي أثناء الوضوء؟ علماً أنني أجد صعوبة في خلعهما بسبب ظروف عملي أو بسبب البرد؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

هل يجوز لي أن أمسح على حذائي أو جوربي أثناء الوضوء ؟ علماً أنني أجد صعوبة في خلعهما بسبب ظروف عملي أو بسبب البرد؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه، و بعد :

المسَحُ عَلَى الخٌفَّين رخصة شرعية، شرعها الله تعالى للمقيم و المسافر، تخفيفاً عنهم و مراعاة لحالهم، فلا ينبغي التوسع فيها إلا بما ورد به النص ؛ و بناءً على ذلك فيجوز المسح على الأحذية أو الجوارب التي تتحق فيها أوصاف الخف فقط ،كأن تكون هذه الجوارب أو الأحذية ساترة للكعبين، و يمكن متابعة المشي بهما في قضاء الحوائج، و أن تكون مانعة من نفوذ الماء إلى القدم، بالإضافة إلى بعض الشروط الأخرى المتعلقة بكيفية اللبس و المسح عليهما و المدة..

و لا يعني التشابه أو الاشتراك في لفظ  “الجورب” الذي وردت بعض الروايات، و بين لفظ “الجورب” المعروف في عصرنا هذا؛ أنهما أيضاً مشتركان أو متشابهان في الحكم ، و إنما العبرة بتحقق الشروط و الأوصاف، و الله أعلم.

البيان و التفصيل :

من أعظم الخصائص و المبادئ التي امتازت به هذه الشريعة العظيمة؛ مبدأ اليسر و رفع الحرج عن المكلفين، يقول الله تعالى : ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج 78]

و عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». رواه البخاري (1)

و المسح على الخفين للمسافر و المقيم، هو أحد تلك الرخص العظيمة التي يتجلى فيها يسر الإسلام و مراعاته لأحوال الناس و ظروفهم، سواء أكان لحاجة – كشدة البرد أو ظروف العمل- أو لغير حاجة ، فعن جرير بن عبدالله البجلي – رضي الله عنه – أنه قال : ” رَأَيْت رَسُول الله – صلى الله عليه و سلم – بَال ثمَّ تَوَضَّأ وَمسح على خفيه ” متفق عليه (2)

و نقل الإمام الحصني -في كتابه كفاية الأخيار- الإجماع على ذلك، فقال : (قَالَ النَّوَوِيّ وَغَيره: وَأجْمع من يعْتد بِهِ فِي الإِجْمَاع على جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَر وَالسّفر سَوَاء كَانَ لحَاجَة أَو لغَيْرهَا. )(3)

و قبل التفصيل في الإجابة نذكر – باختصار – تعريف الخف و بعض الأحكام المهمة التي تتعلق بالإجابة كما ذكر العلماء .. (4)

– فالخُفّان: تثنية خف، وهما الحذاءان الساتران للكعبين المصنوعان من جلد. والكعبان: هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق.

– ويشترط لجواز المسح عليهما خمسة شروط:

1ـ أن يُلبسا بعد وضوء كامل : فعَنْ ‌ الْمُغِيرَةِ بن شعبة -رضي الله عنه -أنه قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ. فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا». متفق عليه (5).

2ـ أن يكونا ساترين لجمع محل غسل الفرض من القدمين، أي : إلى الكعبين.

3ـ أن يمنعا نفوذ الماء إلى القدمين من غير محل الخرز ـ أي الخياطة.

4ـ أن يكونا قويين يمكن تتابع المشي عليهما يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهما للمسافر.

5ـ أن يكونا طاهرين.

– أما كيفية المسح عليهما:

فالفرض مسح شيء ولو كان قليلاً من أعلى الخف ، فلا يكفي المسح على أسفلهما. ويسن مسح أعلاه وأسفله

– و يبطل المسح في الحالات التالية :

1- خلع أو انخلاع الخفين أو أحدهما.

2- انقضاء مدة المسح : وهي يوم و ليلة للمقيم، و ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، و تبدأ المدة من لحظة انتقاض الوضوء لأول مرة بعد لبسهما و ليس من لحظة لبسهما.(6)

3- حدوث ما يوجب الغُسل :  لأن المسح عليهما بدل غسل الرجلين في الوضوء، لا في الغسل.

روى الترمذي والنسائي عن صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ: كَانَ النبي – صلى الله عليه وسلم – يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ وغَائِطٍ وَنَوْمٍ “(7)

– و بعد هذه المقدمة الضرورية نعود للجواب على السؤال :

فيجوز المسح على الأحذية أو الجوارب التي تتحق فيها أوصاف الخف فقط التي ذكرناها، كأن تكون هذه الجوارب أو الأحذية ساترة للكعبين و يمكن متابعة المشي بهما في قضاء الحوائج و أن تكون مانعة من نفوذ الماء إلى القدم بالإضافة إلى بعض الشروط الأخرى المتعلقة بكيفية اللبس و المسح عليهما و المدة..

– يقول إمام الحرمين الجويني في كتابه نهاية المطلب :( وبالجملة: الغالبُ في الرخص اتباع موارد النصوص، وإنما وردت في الخف وما في معناه). (8)

– و قال أيضاً بعد أن ذكر صفة الخف الملبوس الذي يجوز المسح عليه : ( .. ومما يشترط في الملبوس أن يكون فيه قوة، بحيث يعد مثله للتردد فيه في الحوائج …… فمذهبنا أن من لبس جورباً ضعيفاً لا يعتاد المشي فيه وحده، فلا سبيل إلى المسح عليه،) (9)

– و يقول الإمام النووي في كتابه روضة الطالبين و عمدة المفتين و هو يتكلم عن شروط الخف :

( الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا، بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسَافِرُ فِي حَوَائِجِهِ عِنْدَ الْحَطِّ وَالتِّرْحَالِ، فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى اللَّفَائِفِ وَالْجَوَارِبِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ صُوفٍ وَلِبْدٍ، وَكَذَا الْجَوَارِبُ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْجِلْدِ الَّذِي يُلْبَسُ مَعَ الْمُكَعَّبِ، وَهِيَ جَوَارِبُ الصُّوفِيَّةِ، لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا حَتَّى تكُونَ قوية، بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهَا، وَتمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ إِنْ شَرَطْنَاهُ: إِمَّا لِصَفَاقَتِهَا، وَإِمَّا لِتَجْلِيدِ الْقَدَمَيْنِ وَالنَّعْلِ عَلَى الْأَسْفَلِ، أَوِ الْإِلْصَاقِ عَلَى الْمُكَعَّبِ ) (10)

– و على هذا تُحمل الروايات الواردة في المسح على الجوربين :

مثل حديث ‌الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ-في رواية- : «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ.» (11)

قَالَ ‌أَبُو دَاوُدَ معلقاً على هذا الحديث :( كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ – و هو أحد رواة هذا الحديث – لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.)

و قال أيضاً :( وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَلَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ.) (12)

و بناءً على ما سبق :

يجوز لك أخي السائل أن تمسح على الجوارب أو الأحذية و لكن بشرط تحقق الأوصاف و الشروط المذكورة في الخفّ، سواء كنت مسافراً أم مقيماً ، لحاجة أو لغير حاجة، و لا تلتفت إلى التشابه في لفظ الجورب الوارد في بعض الروايات مع الجورب في عصرنا هذا , و الله أعلم

المصادر و المراجع :

1- صحيح البخاري :  رقم (39)،  [1\17]
2- صحيح البخاري : رقم (387) ، [1\87] و صحيح مسلم : رقم (272 ) ، [ 1\156]
3- كتاب : كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، للإمام تقي الدين الحصني الشافعي ، دار الخير – دمشق، ط 1، صفحة (49)
4- ينظر : كتاب روضة الطالبين و عمدة المفتين للإمام النووي [1\125] ، و كتاب :كفاية الأخيار  صفحة (49 إلى 51)، و كتاب الفقه المنهجي لمجموعة من المؤلفين  [1\65 ]
5- صحيح البخاري: رقم (206) [1\52] ، و صحيح مسلم: (274) [1\158].
6- كتاب كفاية الأخيار  للحصني ، صفحة (51)
7- سنن الترمذي : رقم (3535) و قال حسن صحيح، و سنن النسائي : رقم  (127)،
8-  كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني، دار المنهاج ، ط1، [1\296 ]
9- المرجع السابق ذاته [1\294 ]
10- كتاب روضة الطالبين و عمدة المفتين للإمام النووي [1\126]
11- سنن أبو داود : رقم (159)، [1\61] ، و سنن الترمذي : رقم (99) ، [1\144]
12- سنن أبو داود : [1\61]

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ