هل يجوز لي أن أعمل مع مؤسسة تصدر دعايات بالموسيقى؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجوز لي أن أعمل مع مؤسسة تصدر دعايات بالموسيقى؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن من علامات توفيق الله لعبده المسلم أن يسأل عما يحيكُ في صدره من الأمور المشتبه عليه حكمها، وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى الطريقة المثلى في التعرف على الأحكام الشرعية، وذلك بسؤال أهل العلم. قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43].

وإن مسألة الموسيقى من المسائل التي يكثر السؤال عنها اليوم مما جرى الاختلاف فيها على قولين، والقول الثاني فيه تفصيل:

القول الأول:

التحريم والمنع مطلقاً من سماع أي موسيقى، لدخولها في مطلق معنى اللهو المنهي عنه في قوله تعالى: {ومن الناس من يتخذ لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم} [لقمان: 6]. وثبت في السنة المطهّرة تحريم استعمال آلات المعازف كما في حديث: “ليكوننّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف”(1)، ولا نظر إلى قول ابن حزم في تضعيفه. وعلى هذا القول، سواء كانت الموسيقى منفردة صادرة عن آلة محرمة كالأوتار والكوبة وأضرابها، أو كانت مسجلة لأنها ترد إلى أصلها، وسواء مصحوبة بغناء أم لا، بل هي في حالة الغناء أشد نهياً، وأشد أنواعه ما كان غناء امرأة. وأشد من ذلك كله في النهي والتحريم إذا اشتمل الغناء على أمور محرمة من اختلاط وما يتبعه من منكرات، وهذه كلها من الكبائر، نسأل الله العافية.

القول الثاني:

أن المسألة فيها تفصيل، بحسب حالات الاستماع:

الحالة الأولى: الاستماع المباشر إلى الموسيقى المنفردة عن الغناء أو الآلات المحرمة، تقول (الموسوعة الكويتية): إن ما حَلَّ تعاطيه (أي فعله) من الموسيقى والغناء حَلّ الاستماع إليه، وما حرم تعاطيه منهما حرم الاستماع إليه، لأن تحريم الموسيقى أو الغناء ليس لذاته، ولكن لأنه أداة للإسماع(2)، وهنا يرد قول حجة الإسلام الغزالي في معرض حديثه عن شعر الخنا، والهَجْو، ونحو ذلك: “فسماعُ ذلك حرامٌ، بألحان وبغير ألحان، والمستمع شريكٌ للقائل”(3).

الحالة الثانية: الاستماع المباشر لضرب الدف ونحوه مما يقرع بالأيدي: فقد اتفق الفقهاء على حل الضرب بالدف والاستماع إليه، على تفصيل في ذلك، هل هذه الإباحة هي في العرس وغيره، أم هي في العرس دون غيره؟ وهل يشترط في ذلك أن يكون الدف خاليا من الجلاجل أم لا يشترط ذلك؟ فيه تفصيل. وأصل إباحة ما ذكر حديث محمد بن حاطب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فَصْلُ ما بين الحلال والحرام: الدفُّ، والصَّوتُ في النكاح”(4)، ولأدلة أخرى. وألحق المالكية والحنفية، والغزاليُّ من الشافعية بالدفِّ جميعَ أنواع الطبول – وهي الآلات الفرعية – ما لم يكن استعمالها للهْوٍ محرَّم. واستثنى الغزالي الكُوبةَ لأنها من آلات الفسقة. واستثنى الحنفية الضرْبَ بالقضيب(5). قال ابن عابدين: “وهذا يفيد أن آلة اللهو ليست محرمة بعينها بل لقصد اللهو فيها، إما من سامعها، أو من المشتغل بها، وبه تشعر الإضافة – يعني إضافة الآلة إلى اللهو – ألا ترَى أن ضرْبَ تلك الآلة حَلَّ تارةً، وحرُمَ أخرى، باختلاف النية، والأمور بمقاصدها”(6).

الحالة الثالثة: الاستماع المباشر إلى المزمار ونحوه مما ينفخ فيه، فقد منعه الجمهور، وأجازه المالكية لما روى ابن أبي شيبة في (مصنّفه) عن ابن مسعود: أنه دخل عرسا فوجد فيه مزامير ولهواً، فلم ينه عنه(7).

أما الآلات ذات الأوتار كالعود ونحوه، فإن الاستماع إليها ممنوع في العرس وغيره عند المذاهب الأربعة(8). وذهب أهل المدينة وجمهرة من علماء السلف إلى الترخيص فيها، منهم: عبد الله بن جعفر، وابن الزبير، وشريح القاضي، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وابن شهاب الزهري، والشعبي، وغيرهم(9).

وجميع ما سبق هو في حكم السماع المباشر، مع قصد الاستماع، وفي حكمه ما سمع في تسجيل أو بصورة غير مباشرة إذا اقترن به الأمور المحظورة التي ذكرت فيما سبق، من كونها تتخذ للهو وإضاعة الصلاة أو بمصاحبة غناء أو كلام ماجن فاحش فيه وصف نساء وغير ذلك مما يهيج الشهوات.

وبناء على ذلك،

فما جرى سماعه من غير قصد، أو ما كان غير مصاحب لشيء من المعاصي والمنكرات، وما لم يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة والعبادة، أو ما كان الإنسان مرغماً على سماعه ولا يد له في إغلاقه أو إسكاته، فهذا مما يعذر فيه المسلم، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وما عليه في هذه الحالة سوى التشاغل بما يفيده أو الاستماع إلى شيء من التلاوات أو النشيد الخالي من موسيقى الغناء والطرب، ما أمكنه، ولم يكن في ذلك ضرر يعود عليه من قبل متسلط.

وخلاصة الجواب للسؤال،

أن العمل في محل أو مؤسسة تعتمد على الموسيقى في ترويج دعاياتها يصدق فيه إحدى الحالات السابقة، فإذا خلا عن المنكرات، وكان الموظف والعامل فيه مرغماً على سماع الموسيقى، ولا حيلة له في ذلك، ولم يجد سبيلا للعمل سوى هذه الوظيفة، فليصبر، وليحتسب عند الله صبره على ذلك الأمر، إلى أن يفرج الله عنه، ويسهل له سبيل رزق غير هذا. (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)، وليلجأ المسلم إلى ربه بالدعاء وإظهار الفاقة حتى يعوضه خيراً. نسأل الله التوفيق والرزق الحلال لنا ولجميع المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

الهوامش:

1- صحيح البخاري، حديث رقم 5590.

2- الموسوعة الفقهية الكويتية: 4/ 95.

3- إحياء علوم الدين 2 / 282 طبع مطبعة الاستقامة بمصر

4-  سنن الترمذي، حديث رقم 1088؛ سنن النسائي (المجتبى)، حديث رقم 3369

5- الموسوعة الفقهية الكويتية: 4/ 96.

6- حاشية ابن عابدين: 5 / 223.

7- مصنف ابن أبي شيبة، (ط. عوامة): حديث رقم 16666.

8- حاشية الدسوقي: 2 / 339، وحاشية ابن عابدين: 5 / 253، وأسنى المطالب للأنصاري: 4 / 345، وإحياء علوم الدين للغزالي: 2 / 282.

9- نيل الأوطار للشوكاني: 8 / 104.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)