هل يجوز لي أن أسافر إلى بلد اوروبي أو غيرها من بلاد الكفار بنية السياحة فقط؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجوز لي أن أسافر إلى بلد اوروبي أو غيرها من بلاد الكفار بنية السياحة فقط؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن السفر من الأمور المرغب فيها شرعاً بنية الاعتبار والاتعاظ، ففي كتاب الله الكريم عدد من الآيات التي تحث على السير في الأرض والنظر في خلق الله، قال تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير} [العنكبوت: 20]. وقال سبحانه: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} [النمل: 69]. فهذه الآيات وغيرها تدل على جواز السير في الأرض للتفكر في عظمة الله وخلقه، وهو عند الفقهاء سفر مباح لسلامة القصد ومشروعيته، بخلاف السفر للمعصية أو الذي فيه معصية، ويترتب على هذا التفريق أمور، أهمها قصر الصلاة فيجوز في الأول لا في الأخيرين، على تفصيل في كتب الفقه.

إذا علمنا هذا؛ فالسفر إلى أي بلد بنية صالحة وقصد حسن، لا إشكال فيه، بشرط غض البصر، والمحافظة على الحشمة وستر العورة، وأداء الصلاة في وقتها والترخص في القصر والجمع بشروطه.

وبلاد الكفار لا يذهب إليها إلا من لم يجد غرضَه وقصده في غيرها، وكان سفره إليها لحاجة شرعية أو ألجئ واضطر إلى دخولها للتداوي أو فراراً بالدين والنفس، فينبغي أن يجعل قصده ونيته منضبطاً وفق ضوابط الشرع الإسلامي.

هذا، وأما السفر لمجرد النزهة والسياحة أو رؤية البلاد والفرجة، كما عبر كثير من الفقهاء، فاختلف فقهاء الشافعية فيه هل يدخل في السفر المباح أم لا. جاء في (كفاية النبيه) لابن الرفعة، لما قسم السفر إلى مباح وغير مباح، فذكر من المباح السفر للتجارة، والنزهة والتفرج، وعزاه إلى البندنيجي والروياني(1). ثم قال: “وذكر الرافعي الخلاف في السفر المباح، ما سوى سفر النزهة، وقال: إذا قلنا: إنه كسَفر الطاعة، ففي سفر النزهة خلاف؛ لأنه ضربٌ من الفضول، قال: والظاهرُ أنه ملحَقٌ بغيره من المباح”(2)، ولخص قول الماوردي أن سفر النزهة والتفرج مباح ولكن صاحبه لا يعطى من سهم ابن السبيل في الزكاة، وإن جاز له الترخص بالقصر والجمع. قال: “لأن مال الصدقات مصروف إلى ذوي الحاجات. نعم، لو سافر للنزهة بماله، ثم انقطعت به النفقة لعوده- جاز أن يعطى لحاجته وضرورته”(3). واعتمد ابن قاسم العبادي دخوله في السفر المباح(4).

وذهب الشيخ الباجوري من المتأخرين إلى عدم دخول سفر النزهة ورؤية البلاد في السفر المباح، قال رحمه الله: “والرابع: أن يكون سفره لغرض صحيح كزيارة وتجارة وحج لا مجرد التنزه ورؤية البلاد, فإنه ليس من الغرض الصحيح لأصل السفر بخلاف ما لو كان لمقصده طريقان طويل وقصير, وسلك الطويل لغرض التنزه فإنه يكون غرضاً صحيحاً للعدول عن القصير إلى الطويل فيقصر حينئذ”(5).

فينبغي للمسلم أن يحتاط في أسفاره، وفي حله وترحاله، وليقصد بلادا مسلمة أو ذات أغلبية مسلمة ليأمن فيها على دينه، ولن يعدم وجود متنزهات وأماكن سياحية فيها، مما لا يلجئه إلى غيرها من بلاد الكفار. كما عليه أن يصحح النية قبل السفر، وليجعل من أغراض سفره التفكر في خلق الله وعظمته في هذا الكون، والتعرف على أحوال المسلمين، أو التداوي بالخروج من الضغوط التي يواجهها في حياته المعتادة، ونحو ذلك. والله الموفق والهادي سواء السبيل.

الهوامش:

1- ابن الرفعة، كفاية النبيه في شرح التنبيه: 6/ 187.

2- ابن الرفعة، كفاية النبيه: 6/ 187.

3- ابن الرفعة، كفاية النبيه: 6/ 187.

4- العبادي، حاشية تحفة المحتاج: 7/ 160.

5- الباجوري، حاشية شرح ابن قاسم: 1/ 390.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)