هل يجوز للورثة أن يتفقوا على قسمة للميراث غير الذي وضعها الشرع؟

يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض

السؤال

هل يجوز للورثة أن يتفقوا على قسمة للميراث غير الذي وضعها الشرع؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد أنزل الله عز وجل تقسيمَ الميراث في كتابه الكريم بالتفصيل، في آيات محكمة واضحة مبينة وقد ثبت في الحديث أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقَّهُ، فلا وصية لوارث»([1])
وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها»([2])
وفي رواية لمسلم: «اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله»([3]).
وإذا أمعنا النظر فيما عقَّبَ اللهُ عز وجل به آياتِ الميراث السابقة، لرأينا التحذير والوعيد من مخالفتها،
قال تعالى:
{تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
وقد اتفق العلماء على أن ملكية التركة تنتقل للورثة بمجرد موت المورث، بعد نفقة تجهيزه وتكفينه ودفنه وأداء الديون التي لزمته للعباد والحقوق الواجبة عليه لله تعالى وتنفيذ وصاياه في حدود الثلث([4])
بعد ذلك يجب قسمة التركة وفق ما بينه الله عز وجل في كتابه
لكن يجوز للورثة أن يقسموا التركة بالتراضي و لو كان في ذلك زيادة لأحدهم على نصيبه المشروع أو نقص منه،
ويشترط لقسمة التركة بالتراضي بين الورثة ما يلي:
أن يكون جميعُ الورثة بالغين عاقلين راشدين، والمراد بالرشد عند الشافعية: صلاح الدِّين والصلاح في المال.([5])
ويشترط أيضاً لقسمة التركة بالتراضي،
أن يكون التراضي حقيقياً، دونما إكراهٍ ولا إلجاءٍ ولا حياءٍ. وذلك إنما يتحقق إذا كان الرضا سليماً، أي بأن يكون حراً طليقاً لا يشوبه ضغطٌ ولا إكراهُ،
ولا يتقيد بمصلحةِ أحدٍ كرضا المريض، أو الدائن المفلس،
وأن يكون واعياً، فلا يحول دون إدراك الحقيقة جهلٌ، أو تدليسٌ وتغريرٌ، أو استغلالٌ، أو غلطٌ أو نحو ذلك مما يعوق إدراكه. فمن عيوب الرضا الإكراه والجهل والغلط، والتدليس والتغرير، والاستغلال وكون الرضا مقيداً برضا شخص آخر ([6])
ويجب على الورثة خاصةً وعلى كل مسلم عامةً أن يعتقد أن قسمة الله تعالى هي الأعدل والأفضل، ويحرم عليه أن يعدل عنها كُرهاً لها، أو عن اعتقاده أن فيها جوراً، أو غير مناسبةٍ للعصر والأوان كما يزعم التغريبيون وأمثالهم. قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [سورة التين / 8]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سورة المائدة / 50].
إذا تقرر هذا فإنه إذا توفرت الشروطُ السابقةُ، فقسمةُ الميراث بالتراضي جائزةٌ، ويعتبر ذلك نوعاً من الصلح بين الورثة، والصلحُ مشروعٌ بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
ومن الأدلة على مشروعيته: قول الله سبحانه تعالى:
{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [سورة النساء ا/114]،
فالآية الكريمة قد حضت على الإصلاح بين الناس عند حصول الخلافات، ورتبت الأجر العظيم على ذلك.
وقوله تعالى:
{فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة البقرة / 182]،
وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«الصلحُ جائزٌ بين المسلمين إلا صلحاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً»([7]).
وخلاصة الأمر أن الله عز وجل قد بيَّن تقسيم الميراث في كتابه الكريم بالتفصيل وذلك في سورة النساء، وأن العلماء قد اتفقوا على أن ملكية التركة تنتقل للورثة بمجرد موت المورث وأداء الحقوق الواجبة عليه و تنفيذ وصاياه، فالموت مبطلٌ للملكية، إذا لم يكن ديونٌ على الميت، وأنه يجوز للورثة أن يقسموا التركة بالتراضي، ويعتبر ذلك نوعاً من الصلح بين الورثة، والصلحُ مشروعٌ بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. والله الهادي إلى سواء السبيل.

([1]) الترمذي (2121) وأحمد (17938)
([2])البخاري (6732) ومسلم (1615)
([3])مسلم (1615)
([4]) الموسوعة الفقهية الكويتية 24 /76.
([5]) الروضة 4 / 177 ، 178
([6]) الموسوعة الفقهية الكويتية 22/234.
([7])الحاكم (7151) والترمذي (1352) وابن ماجه (2353)