هل يجوز للمرأة أن تصلي في كل المصليات؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

هل يجوز للمرأة أن تصلي في كل المصليات؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، و بعدُ:

فالأصل أنه يجوز للمرأة الصلاة في كل المساجد و المصليات بشروط معينة وتفصيل ذلك كما يلي :
إن الله سبحانه وتعالى وهو الحكيم الخبير خلق الناس وجعلهم ذكورا و إناثا و كلفهم بتكاليف عامة لكل من الجنسين كأركان الإيمان و الإسلام و نحوهما من التكاليف و اختص البعض بأحكام خاصة توافق طبيعة خلقتهم و وظيفتهم في هذه الحياة

و من هذه الأمور صلاة الجمعة و الجماعة فقد طلب من الرجال الذكور حضورها على سبيل الوجوب أو الندب على تفصيل ليس هو محل سؤالنا

لكن من عظيم لطف الله بالمرأة أنه لم يطلب منها حضور صلاة الجمعة و الجماعة و إن كان هذا مباحا لها ، وصلاتُها في بيتِها خير لها وأفضل، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة([1])، والمالكية([2]) والشافعية([3]) والحَنابِلَة([4])

فعن ابن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لا تَمْنَعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ »([5])

وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالتْ: «إنْ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُصلِّي الصبحَ فيَنصرِفُ النساءُ متلفِّعاتٍ بمُروطهنَّ، ما يُعرَفْنَ من الغَلَس »([6])

متلفِّعاتٍ : مُتَلَفِّفَاتٍ بِأَكْسِيَتِهِنَّ . الْغَلَسُ : ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ إِذَا اخْتَلَطَتْ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ .

وعن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنِّي لأقومُ إلى الصَّلاةِ، وأنا أُريدُ أن أُطوِّلَ فيها، فأسمعَ بُكاءَ الصبيِّ، فأتجوَّزَ في صلاتي؛ كراهةَ أن أشقَّ على أمِّه »([7])

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أنَّ النساءَ كنَّ يَشهَدْنَ الصَّلاةَ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المسجِدِ، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَعلمُ ذلك؛ فدلَّ على أنَّ حُضورهنَّ الجماعةَ معه غيرُ مكروهٍ، ولولا ذلك لنهاهنَّ عن الحضورِ معه للصَّلاةِ

و يدل على أن الصلاة في البيتِ أفضلَ للمرأةِ:

ما رواه ابن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَمنعوا نِساءَكم المساجدَ، وبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ »([8])

وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «صلاةُ المرأةِ في مَخدعِها أفضلُ من صلاتِها في بيتِها، وصلاتُها في بيتِها أفضلُ من صلاتِها في حُجرتِها »([9])

لكن إباحة الصلاة للمرأة في المساجد و مثلها كل المصليات مشروط بما يلي :

أولًا: ألَّا تخرُجَ مُتطيِّبةً أو متزيِّنةً :

1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أيُّما امرأةٍ أصابتْ بَخُورًا، فلا تَشْهَدَنَّ معنا العِشاءَ الآخِرةَ »([10])

3- عن زَينبَ الثقفيَّةِ امرأةِ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه وعنها، قالت: قال لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا شهِدَتْ إحداكنَّ المسجدَ، فلا تمسَّ طِيبًا »([11])

فإنَّ في خروجِ المرأةِ وهي متطيِّبةٌ أو عليها شيءٌ من الزِّينة، ما يُخشى معه الافتتانُ بها وهذه مفسدة عظيمة ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح

ثانيًا: أن تخرُجَ إلى المسجدِ بإذنِ زَوْجِها :

ويدل لهذا ما رواه ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إذا استأذَنتْ أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ، فلا يَمنعْها »([12])

و عنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: كانتِ امرأةٌ لعُمرَ تشهَدُ صلاةَ الصَّبحِ والعِشاءَ في الجماعةِ في المسجدِ، فقيل لها: لِمَ تَخرُجينَ وقد تَعْلمينَ أنَّ عُمرَ يَكرهُ ذلك ويغارُ؟! قالت: وما يَمنَعُه أن ينهاني؟ قال: يمنَعُه قولُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لَا تَمنَعوا إماءَ اللهِ مساجِدَ اللهِ »([13])

وما حكم إذنِ الزوجِ لزوجتِه إذا استأذنتْه للخروجِ إلى المسجِدِ:

يُستحبُّ للزوجِ أن يأذنَ لزوجتِه إذا استأذنتْه في الخروجِ إلى المسجدِ للصلاةِ إذا أُمِنتِ الفتنةُ، فإنْ منَعَها لم يحرُمْ عليه منعُها، وهو مذهبُ المالِكيَّة([14])، والشافعيَّة([15])، والحَنابِلَة([16])،

و يجدر بالمرأة إن خرجت إلى المسجد بالشرطين السابقين أن تخلص نيتها لله تعالى ، فليكن قصدها الصلاة أو العبادة أو العلم و التعلم ونحو ذلك مما يعود عليها بالفائدة و الأجر وألا يكون خروجها للتسلية و التنزه و غير ذلك مما لا طائل تحته

وفقنا الله لما فيه رضاه و حفظ جميع المسلمين و المسلمات من كل سوء إنه سميع مجيب

 

([1]) الهداية للمرغيناني (2/354)، وينظر:(بدائع الصنائع للكاساني (1/275)
([2])مواهب الجليل للحطاب (2/451)
([3]) المجموع للنووي (4/199).
([4])كشاف القناع للبهوتي (1/465) المغني لابن قدامة (2/149)،
([5]) أخرجه البخاري (865) ومسلم (442)
([6]) أخرجه البخاري (372) ومسلم (645) ،
([7]) أخرجه البخاري (707) وأبو داود (789) وابن ماجه (991)
([8]) أخرجه البخاري (865) ومسلم (442)
([9]) أخرجه ابن خزيمة (1685)
([10]) أخرجه مسلم (444) وأبو داود (4175)
([11]) أخرجه مسلم (443) وابن خزيمة (1680)
([12]) أخرجه البخاري (865) ومسلم (442)
([13]) أخرجه البخاري (865) ومسلم (442) ،
([14]) مواهب الجليل للحطاب (2/451).
([15]) المجموع للنووي (4/199)
([16]) المبدع لبرهان الدِّين ابن مفلح (2/55)

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.