هل يجوز للراقي أن يضع يده على المرأة عند الرقية؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجوز للراقي أن يضع يده على المرأة عند الرقية؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن الرقية الشرعية من الأمور الثابتة والجائزة والمعمول بها منذ صدر الإسلام، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رقى وأمر الصحابة أن يعرضوا عليه رقاهم، وصح عن كثير من الصحب الكرام أنهم رقوا أبناءهم وغيرهم.

فعن عوف بن مالك، قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرِضُوا عليَّ رقَاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكُن شركاً»(1). وعن أبي نضرة عن أبي سعيد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلّم، فقالَ: يا محمد، أشتكيتَ؟ فقال: “نعم”. قال: باسم الله أرقيكَ، من كل شيء يؤذيكَ، من شر كل نفْسٍ أو عين حاسِدٍ الله يشفيكَ، باسم الله أرقيك(2).

وأما وضع اليد على موضع الألم أثناء الرقية فقد ورد في السنة أيضاً، فعن عثمان بن أبي العاص الثقفي: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعاً يجدُه في جسده منذ أسلمَ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ضع يدك على الذي تألم من جسدكَ، وقل بسم الله (ثلاثا)، وقل سبع مراتٍ:

أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر”(3). قال القرطبي في (المفهم): “هذا الأمرُ على جهة التعليم والإرشاد إلى ما ينفع من وضع يد الراقي على المريض ومسحه به، وأن ذلك لم يكن مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل ينبغي أن يفعل ذلك كل راق، وقد تأكد أمر ذلك بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه رضي الله عنهم ذلك بأنفسهم وبغيرهم، كما قد ذكر في الأحاديث المتقدمة، فلا ينبغي للراقي أن يعدل عنه للمسح بحديد ولا بغيره، فإن ذلك لم يفعله أحد ممن سبق ذكره، ففعله تمويه لا أصل له”(4). وفي كتاب (التنوير شرح الجامع الصغير): “هذه من الأدوية الإلهية التي هي من أسرع الأدوية لمن خلصت نيته، وظاهره أنها لكل ألم من الآلام التي بالأعضاء”(5)، قال المناوي: “وَإِنَّمَا يظْهر أَثَره لمن قوي يقينه وكمل إخلاصه”(6).

فإذا ثبت ما سبق، فلا مانع من وضع الراقي يده على نحو رأس المريض أو بطنه أثناء رقيته، ولا فرق بين الرجال والنساء في ذلك، مع عدم الخلوة والمباشرة باليد للنساء. فالفرق بين رقية الرجل ورقية المرأة هو في المباشرة أي لمس بدن المريض، فالمرأة الأجنبية يحرم مسها والنظر إلى شيء من بدنها أثناء الرقية، بخلاف نحو العملية الجراحية والأمراض العضوية التي يتوجب فيها الكشف عند الطبيب إذا لم توجد طبيبة تقوم بعمله.

هذا ما تلخص في الجواب عن هذا السؤال، فالخير كل الخير في الاتباع، وترك الابتداع، والبعد عن كل ما يستجلب سوء الظن أو يوقع في المحظور، ولو كان على صورة الخير كما في الرقية، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والحمدلله أولا وآخراً وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الهوامش:

1- سنن أبي داود: 4/ 10، رقم 3886.

2- صحيح مسلم: 4/ 1718، رقم 2186.

3- صحيح مسلم: 4/ 1728، رقم 2202.

4- القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 5/ 589.

5- الصنعاني، التنوير شرح الجامع الصغير: 7/ 106.

6- المناوي، التيسير بشرح الجامع الصغير: 2/ 111.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)