هل يجوز للحائض والجنب دخول المسجد؟

الإجابة من الشيخ د. محمد فايز عوض

السؤال

هل يجوز للحائض والجنب دخول المسجد؟


الجواب

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
      فإن للمسجد في الإسلام مكانة عالية و أهمية عظمى و احتراماً خاصاً لذلك كان أول عمل بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة المنورة هو بناء المسجد كما جاء ذلك عن أنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ (بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ)… وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ» [1].

      فصار المسجد مكان أداء العبادة من الصلوات والاعتكاف، كما أصبح ملتقىً للمسلمين ومنتدىً لحواراتهم و لقاءاتهم
 قال تعالى: ﴿فِي بيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ ۞ رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ﴾ [سورة النور: 36- 37].

      وكل بقعة من الأرض تصح الصلاة فيها تعد مسجداً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» [2] لكن المسجد الذي تترتب عليه أحكام فقهية هو المكان الموقوف للصلاة، أي الذي وُقف وحُبس ليكون مخصصاً للصلاة.
وأما المصلى فهو موضع الصلاة والدعاء، ولا يشترط فيه أن يكون موقوفاً، بل يصح أن يكون موقوفاً وغيره، فالمصلى إذن يشمل المسجد وغير المسجد، فكل مسجد مصلى وليس كل مصلى مسجداً.

      لذلك اختص ببعض الأحكام المميزة له عن أي مكان آخر

منها: يَحْرُمُ على الحائض و النفساء و الجنب الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْعُبُورُ فِيهِ إِنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُخَفِ التَّلْوِيثُ جَازَ الْعُبُورُ [3]
يدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم «فَإِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ» [4]
      و استثني العبورُ للجنب بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا [سورة النساء: 43].

      قال الإمام الشــافعي رحمه الله: “قــال بعض أهل العلم بالـــقرآن معنــاه : لا تقربوا مواضع الصلاة لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد” [5].
      أما المصليات الملحقة بالمدارس و الجمعيات و الدوائر الحكومية فلا يسري عليها هذا الحكم و الله أعلم
وفقنا الله للمحافظة على شعائر ديننا و القيام بها إنه خير مسؤول

 

تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.


أ. د. محمد فايز عوض عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركيا إلى الآن..
والشيخ عضو رابطة علماء الشام، ومؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، ورابطة العلماء السوريين، والمجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] البخاري 234، ومسلم 524
[2] البخاري 335، ومسلم 521
[3] المهذب 1/ 45، 52، والإقناع للشربيني الخطيب 1/ 143 ـ 144.
[4] ابن خزيمة 1327 وأبو داود 232.
[5] الأم ج 1/ 54.