هل يجوز للحائض قراءة القرآن؟

أجابها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجوز للحائض قراءة القرآن؟

الجواب

باسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

      فمن المعلوم لدى المسلمين أن المرأة في زمن الحيض تكون في وضع خاص، وضع نفسي، ووضع شرعي، وغير ذلك. وقد راعى الإسلام تلك الأوضاع الخاصة للمرأة، فحرم عليها التلبس بالعبادة بقصدها، وأسقط عنها بعض التكاليف وخفف بعضاً. فمما أسقطه عنها الصلاة في زمن الحيض وعدم قضائها، وخفف عنها الصيام وأمرها بالقضاء.

      ومن الأمور المحرمة على الحائض:

مس المصحف وحمله وقراءة القرآن بنية التلاوة والتعبد، لقوله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة: 79]. وهذه الآية – وإن فسرها كثير من الصحابة بأن المقصود بالمطهرين فيها الملائكة – إلا أن تخصيص ذكر وصف (المطهرين) دليل على أن هذا هو شأن المصحف الكريم، ألا يمسه إلا من اتصف بالطهارة، يؤكد ذلك الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مالك في “الموطأ”، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «أَلَّا يَمُسَّ القُرآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» [موطأ مالك، مسند الدارامي] [1]. والحائض ليست طاهرة أثناء نزول دم الحيض.

      ولحديث: «لاَ يَقْرَأ الجُنُبُ، وَلا الحَائِضُ شَيْئَاً مِنَ القُرْآنِ» [سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، سنن البيهقي] [2].

      قال الإمام الرافعي: “وكما تحرم القراءة على الجنب تحرم على الحائض لما سبق من الخبر، ولأن حدثها أغلظ فيكون الحكم في التحريم أولى” [الرافعي، العزيز شرح الوجيز] [3].
      وقال الإمام النووي: “ويحرم على الحائض والنفساء ما يحرم على الجنب من القراءة على المذهب” [النووي: الروضة] [4].

مسألة معلمة القرآن:
      قال الإمام النووي: “وأثبت جماعةٌ من المحققين قولاً قديماً: أنها لا تحرم” [النووي، روضة الطالبين] [5]. وهذا القول مبني على قول قديم نسب للإمام أبي ثور من أصحاب الشافعي: كما إذا كانت معلمة للقرآن لم يحرم عليها حتى لا تنقطع عن وظيفتها.

      قال الرافعي: “وتوجيهه: ما أشار إليه، وهو أنها قد تكون معلمة، فلو منعناها عن القراءة والحيض مما يعرض في كل شهر غالبا لانقطعت عن حرفتها، ولأن ترك القراءة يؤدي إلى النسيان لامتداد زمان الحيض بخلاف الجنابة فإنه يمكن إزالتها في الحال، وهذا القول يجري في النفساء أيضاً” [الرافعي، العزيز شرح الوجيز] [6].
مع التنبيه على أن هذا القول ليس هو المعتمد، بل يعمل به عند الحاجة فقط، أما المعتمد فهو التحريم مطلقاً.

مسألة التحصن وقراءة الأوراد:
      قال الإمام النووي: “ويجوز للحائض والجنب قراءة ما يستحب تلاوته. والله أعلم” [النووي، روضة الطالبين] [7]. والمقصود: ما يستحب تلاوته للتحصين أو للورد اليومي، وكذلك إذا لم تقصدها بأن قصدت الذكر أو الموعظة أو البسملة، أو أطلقت، فلا يحرم لأنه لا يكون قرآنًا إلا بالقصد، قاله الشيخ ابن حجر [ابن حجر الهيتمي، المنهج القويم] [8].


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب، وراجعها الشيخ د. محمد فايز عوض.


محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية (AMU). تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
يشرف على القسم العربي في سيكرز عربية للعلوم الشرعية (seekersguidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] موطأ الإمام مالك (534)؛ سنن الدارمي: (2446).
[2] سنن الترمذي (131)؛ وسنن ابن ماجه (595)؛ وسنن البيهقي 1/ 309.
[3] الرافعي، العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية 1/ 185.
[4] النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين 1/ 86.
[5] النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين 1/ 86.
[6] الرافعي، العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية 1/ 185.
[7] النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين 1/ 86.
[8] ابن حجر الهيتمي، المنهج القويم شرح المقدمة الحضرمية، ص: 49.