هل يجوز كتابة المصحف بالرسم الإملائي الحالي؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل يجوز كتابة المصحف بالرسم الإملائي الحالي؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

 والأصل أن يكون  المكتوب في المصاحف موافقًا تمام الموافقة للمنطوق من غير زيادة ولا نقص ولا تبديل ولا تغيير، وهذا ما جرى عليه الرسم الإملائي المعاصر. لكن المصاحف العثمانية قد أُهمل فيها هذا الأصل؛ فجاء خطها على غير مقياس لفظها؛ فوُجِدَت بها حروف كثيرة جاء رسمها مخالفًا لأداء النطق وذلك لأغراض شريفة كثيرة ؛ فصار للمصحف العثماني قواعد في خطه ورسمه حصرها علماء الفن في ست قواعد، يمكن مراجعتها في الكتب المتعلقة بعلم رسم المصاحف.

وللعلماء في رسم المصحف على قواعد الإملاء الحديثة آراء ثلاثة:

الرأي الأول: أنه توقيفي لا تجوز مخالفته. وذلك مذهب الجمهور، ودليلهم أن كتَّاب الوحي كتبوه أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم عليه، واستمر الصحابة بكتابته على هذه الطريقة حتى وصل إلينا، فكان ذلك إجماعاً منهم، وانعقاد الإجماع على تلك المصطلحات في رسم المصحف دليل على أنه لا يجوز العدول عنها إلى غيرها.

وقد صرح الإمام أحمد رحمه الله تعالى بالتحريم فقال: «تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك» . وسئل الإمام مالك: هل تكتُب المصحف على ما أخذته الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكِتبة الأولى. وقال الإمام أبو عمرو الداني: «ولا مخالف له من علماء الأمة».

وهكذا اتخذت الأمة الإسلامية الرسم العثماني سنّة متبعة إلى عصرنا هذا، كما قال البيهقي : «واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها». (1)

وجاء في المحيط البرهاني في فقه الحنفية ما نصه: “ولو اعتاد القراءة بالفارسية أو أراد أن ‌يكتب ‌المصحف بالفارسية مُنع من ذلك أشدّ المنع، وإن فعل ذلك في آية أو آيتين لا يمنع من ذلك”. (2)

وكل ذلك للمبالغة في المحافظة والاحتياط على نص القرآن حتى في مسألة شكلية هي كيفية رسمه.

الرأي الثاني: أن رسم المصاحف اصطلاحي لا توقيفي وعليه فتجوز مخالفته. وممن ذهب إلى هذا الرأي ابن خلدون في مقدمته.

الرأي الثالث: يجوز بل تجب كتابة المصحف الآن لعامة الناس على الاصطلاحات المعروفة الشائعة عندهم، ولا تجوز كتابته لهم بالرسم العثماني الأول لئلا يوقع في تغيير من الجهال، ولكن يجب في الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثماني كأثر من الآثار النفيسة الموروثة عن سلفنا الصالح فلا يُهمَلُ مراعاةً لجهل الجاهلين بل يبقى في أيدي العارفين الذي لا تخلو منهم الأرض. وممن قال بهذا الرأي العز بن عبد السلام وغيره.

والرأي الثالث يقوم على رعاية الاحتياط للقرآن من ناحيتين: ناحية كتابته في كل عصر بالرسم المعروف فيه؛ إبعادًا للناس عن اللبس والخلط في القرآن، وناحية إبقاء رسمه الأول المأثور يقرؤه العارفون ومن لا يُخشى عليهم الالتباس. ولا شك أن الاحتياط مطلب ديني جليل خصوصًا في جانب حماية التنزيل.(3)

وأخيرا

نقول للأخ السائل, إن كنت تجد صعوبةً في تلاوة القرآن فحاول أن تلتزم مع شيخ مقرئٍ يعلمك قراءة القرآن بالرسم العثماني المعتاد في المصاحف، كما يمكنك أن تستعين بالختمات المسجَّلة للقرآن الكريم، كما يمكنك الاستعانة بالتقنيات الحديثة التي تسهِّلُ قراءة القرآن من المصحف كالقلم الألكتروني الذي يرشدك لقراءة أي كلمة قرآنية بمجرد وضع القلم عليها.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1): شعب الإيمان للبيهقي (2425).
(2): المحيط البرهاني لابن مازة (1/308).
(3): مناهل العرفان للزرقاني (1/377)، علوم القرآن الكريم د. نور الدين عتر ص187؛ مباحث في علوم القرآن صبحي الصالح ص278؛ رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين ص103.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.