هل يجوز جمع الصلوات وقصرها في السفر؟

أجابها الشيخ د. محمد فايز عوض

السؤال

هل يجوز جمع الصلوات و قصرها في السفر؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

      فإن الله عز وجل أحكم الحاكمين و بعباده خبير بصير، فشرع لهم الأحكام الشرعية للأحوال الطبيعية، كما خفف عنهم في الحالات الاستثنائية، و من الرخص المشروعة قصر الصلاة و جمعها للمسافر للسفر.

فقد رَخّص الله للمسافر في صلاته رخصتين:

      أولاهما: اختصار في كمية الركعات، ويسمى “قصراً”.
      الثانية: ضم صلاتين إلى بعضهما في الأداء، ويسمى “الجمع بين الصلاتين”. لكن ذلك لا يكون إلا بشروط خاصة نبينها فيما يلي:

  • أولاً: القصر:
    هو أن تؤدى الصلاة الرباعية، كالظهر والعصر والعشاء، ركعتين بدلاً من أربع،

    ولا بد لصحة القصر من مراعاة الشروط التالية:
  1.  أن تتعلق بذمته في السفر، ويؤديها أيضاً في السفر:
    فخرج بهذا الشرط الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يسافر، ثم سافر قبل أن يصليها، فلا يجوز أن يصليها قصراً، لأنه لم يكن مسافراً حين وجبت عليه وتعلقت بذمته.
    وخرج أيضاً الصلاة التي دخل وقتها وهو مسافر، ولكنه لم يصلها حتى رجع إلى بلده، فلا يجوز أن يصليها أيضاً قصراً، لأنه حين أدائها ليس بمسافر، والقصر للمسافر.

  2. أن يتجاوز سور البلد التي يسافر منها، أو يتجاوز عمرانها إن لم يكن لها سور:
    لأن من كان داخل سور البلد أو عمرانها ليس بمسافر. أي فالسفر إنما يبدأ من لحظة هذا التجاوز، كما أنه ينتهي بالوصول رجوعاً إلى تلك المنطقة.

  3. ألا ينوي المسافر إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والرجوع، في المكان الذي يسافر إليه:
    فإذا نوى ذلك، أصبحت البلدة التي يسافر إليها في حكم موطنه ومحل إقامته، فلم يعد يجوز له القصر فيها، ويبقى له حق القصر في الطريق فقط.
    أما إذا كان ناوياً أن يقيم أقل من أربعة أيام، أو كان لا يعلم مدة بقائه فيها، لعمل يعالجه ولا يدري متى يتمه: يقصر في الحالة الثانية إلى ثمانية عشر يوماً غير يومي دخول وخروجه.

  4. ألا يقتدي بمقيم:
    فإن اقتدى به وجب عليه أن يتابعه في الإتمام، ولم يجز له القصر.
  • ثانياً ـ الجمع:
    وينقسم جمع الصلاة إلى قسمين:

    جمع تقديم، بأن يقدم المتأخرة إلى وقت الأولى،
    وجمع تأخير، بأن يؤخر المتقدمة إلى وقت الثانية.
* الصلوات التي يجمع بينها:
هي الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء. فلا يصح أن يجمع الصبح مع ما قبله أو بعده، كما لا يجمع بين العصر والمغرب.
هذا وإن لكل من جمع التقديم والتأخير شروطاً ينبغي مراعاتها.

شروط جمع التقديم:
1.   الترتيب بينهما: بأن يبدأ الصلاة الأولى صاحبة الوقت، ثم يتبعها بالأخرى.
2.   أن ينوي جمع الثانية مع الأولى قبل فراغه من الصلاة الأولى، ولكن يسن أن تكون النية مع تكبيرة الإحرام بها.
3.   الموالاة بينهما، بأن يبادر إلى الثانية فور فراغه من الأولى وتسليمه منها، لا يفرق بينهما بشيء من ذكر أو سنة أو غير ذلك؛ فإن فرق بينهما بشيء طويل عرفاً، أو أخر الثانية بدون أن يشغل نفسه بشيء بطل الجمع، ووجب تأخيرها إلى وقتها.
4.   أن يدوم سفره إلى بداية فعله للصلاة الثانية، أي فلا يضر أن يصل إلى بلده أثناءها.

شروط جمع التأخير:
1.   أن ينوي جمع الأولى تأخيراً خلال وقتها الأصلي، فلو خرج وقت الظهر وهو لم ينو جمعها مع العصر تأخيراً، أصبحت متعلقة بذمته على وجه القضاء، وأثم في التأخير.
2.   أن يدوم سفره إلى أن يفرغ من الصلاتين معاً، فلو أقام قبل الفراغ النهائي منهما أصبحت المؤخرة قضاء.

شروط السفر الذي يباح فيه القصر والجمع:
الشرط الأول:

أن يكون السفر طويلاً تبلغ مسافته 81 كم فصاعداً، فلا يعتد بالسفر الذي يكون دون ذلك.

الشرط الثاني:

أن يكون السفر إلى جهة معينة مقصودة بذاتها، فلا يعتد بسفر رجل هائم على وجهه ليست له وجهة معينة، ولا بسفر من يتبع قائده مثلاً وهو لا يدري أين يذهب به. وهذا قبل بلوغه مسافة السفر الطويل، فإن قطعها قصر، لتيقن طول السفر.

الشرط الثالث:
      أن لا يكون الغرض من السفر الوصول إلى أي معصية، فإن كان كذلك لم يعتد بذلك السفر أيضاً، كمن يسافر ليتاجر بخمر أو ليُرَابي أو ليقطع طريقاً، لأن القصر رخصة، والرخصة إنما شرعت للأمانة، ولذلك لا تناط بالمعاصي، أي لا تتعلق بما فيه معصية.
      ودليل ما سبق على الإجمال قوله تعالى ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [سورة النساء: 101] .

      وَمن السُّنَّةُ: مَا وَرَدَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ . قَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» [رواه مسلم] [1].
      وَعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» [رواه مسلم] [2].

فالحمد لله على ما شرع لنا و حكم و نسأله العفو عن كل خطأ و أكرمنا بالعلم النافع لنهبد الله على هدى و نور و بصيرة 


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وتمت مراجعة الإجابة من قبل الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.


أ. د. محمد فايز عوض
عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراة في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركيا إلى الآن..
وهو عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح مسلم (686).
[2] صحيح مسلم (706).