هل يجوز ترتيب سور المصحف من جديد ليكون مرتبا على النزول أو المواضيع مثلا؟

يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى

السؤال

هل يجوز ترتيب سور المصحف من جديد ليكون مرتبا على النزول أو المواضيع مثلا؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أغلب أقوال العلماء تدل على أن الالتزام بترتيب سور القرآن كما هي عليه الآن – مُفْتَتَحاً بسورة الفاتحة مختتماً بسورة الناس – هو الأَولى؛ فقد وجد العلماء من إعجاز القرآن وأسرار هذا الترتيب ما يدهش الألباب، بل لقد أُلفت فيه الكتب الخاصة، كما فعل الإمام البقاعي، والإمام السيوطي وغيرهم، حتى غدا علماً ونوعاً من أنواع علوم القرآن. ومخالفة ترتيب سور القرآن على ما هي عليه اليوم هو أحد قولين مشهورين للعلماء.
لذلك أقول للسائل: لا بأس أن يكون لك مصحفٌ خاصٌّ بك تُرتِّبُ سوره على ما أنت بحاجة إليه؛ كأن تستعمل هذا الترتيب الخاص بك في حفظ بعض السور أو تفسيرها أو ترتيبها على الموضوعات لربطها ببعض العلوم، أو تقوم بها في صلاة الليل…أو غير ذلك من الأسباب.
أما تغيير ترتيب سور المصحف وتعميم ذلك على الناس، وتغيير ما أَلفُوه ودرجوا عليه فهذا خلاف الأولى، بل ربما جرَّ للعبث بكتاب الله تعالى؛ فكلما خطر على أحدهم خاطرٌ في ترتيبٍ معينٍ للسور سيغير هذا الترتيب، وبذلك لن يتوقف الترتيب عند حد، كما أن فيه مخالفةً لأدلة من قال بأن ترتيب سور القرآن توقيفي، كما سنوضح ذلك مفصلاً بعد قليل.
لكن قبل ذلك لا بد من التنبيه لأمر هام
لم يقع خلافٌ بين العلماء أن ترتيب آيات القرآن كان بتوقيف من النبي صلّى الله عليه وسلّم، إذْ كان يقرأه على الصحابة ليل نهار، ولم يُسمع من أحدهم أنه خالفَ في ترتيب آيةٍ من الآيات؛ لهذا فالخلاف جارٍ في ترتيب السور لا في ترتيب الآيات.
ويمكن إجمال الخلاف في ترتيب السور بين قائلٍ بأنه توقيفي لا تجوز مخالفته، وقائلٍ بأنه اجتهادي؟

القول الأول: ترتيب سور القرآن اجتهادي والدليل عليه:

أولاً: أقوى ما يستدل به القائلون بهذا القول، ما رواه يزيد الفارسي عن ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: ‌قُلْتُ ‌لِعُثْمَانَ: ‌مَا ‌حَمَلَكُمْ ‌عَلَى ‌أَنْ ‌عَمَدْتُمْ ‌إِلَى ‌الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا نْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ، فَيَقُولُ: ” ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا “، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ، قَالَ: ” ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا “، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، قَالَ: ” ضَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا “، قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: فَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا، فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرًا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ”. (1)

ثانياً: واستدلوا بأن المعروف عند أهل العلم أنّ مصاحف الصّحابة كانت تختلف في ترتيبها قبل أن يُجمع القرآن في عهد عثمان بن عفان، فلو كان هذا الترتيب توقيفياً منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجازوه ويختلفوا فيه ذلك الاختلافَ الذي تصوِّرُهُ لنا الروايات.
فمصحف علي بن أبي طالب: كان مرتباً على ترتيب النزول؛ فأوله اقرأ، ثم المدثر، ثم ق، ثم المزمل، ثم تبَّت، ثم التكوير، وهكذا إلى آخر المكي والمدني.
ومصحف أبي بن كعب: روي أنه كان مبدوءاً بالفاتحة، ثم البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام. ومصحف ابن مسعود: كان مبدوءاً بسورة البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران الخ على اختلاف شديد. ومعلومٌ أن ابن مسعود ممّن شهد العرضة الأخيرة، ومع ذلك كان مصحفه من أشدّ مصاحف الصّحابة اختلافاً في ترتيب السّور. (2)

ثالثاً: روى علقمة بن قيس النّخعيّ والأسود بن يزيد النّخعيّ، قالا: «أَتَى ‌ابْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ، ‌فَقَالَ: ‌أَهَذًّا ‌كَهَذِّ ‌الشِّعْرِ؟ وَنَثْرًا كَنَثْرِ الدَّقَلِ؟ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ؛ النَّجْمَ وَالرَّحْمَنَ فِي رَكْعَةٍ، وَ: {اقْتَرَبَتِ} وَ {الْحَاقَّةُ} فِي رَكْعَةٍ، {وَالطُّورِ} {وَالذَّارِيَاتِ} فِي رَكْعَةٍ، وَ: {إِذَا وَقَعَتِ} وَ: {ن} فِي رَكْعَةٍ، وَ: {سَأَلَ سَائِلٌ} {وَالنَّازِعَاتِ} فِي رَكْعَةٍ، وَ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وَ: {عَبَسَ} فِي رَكْعَةٍ، وَالْمُدَّثِّرَ وَالْمُزَّمِّلَ فِي رَكْعَةٍ، وَ: {هَلْ أَتَى} وَ: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فِي رَكْعَةٍ، وَ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} وَالْمُرْسَلَاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَالدُّخَانَ وَ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} فِي رَكْعَةٍ». قَالَ ‌أَبُو دَاوُدَ : هَذَا تَأْلِيفُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللهُ. (3) فهذا ابن مسعود وكان ممن شهد العرضة الأخيرة للقرآن ومع ذلك فقد اختلف تأليف السّور في مصحفه عن ترتيب السور في المصحف اليوم.

القول الثاني: ترتيب سور القرآن هو بتوقيفٍ من النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يجوز تغييره  واستدلوا على ذلك بـ:

أولاً: حين جُمع القرآن في عهد أبي بكر ثمّ عثمان بن عفان كان جَمْعُهُ على هذا التّرتيب، وهو الّذي ترك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ عليه، وهو كما هو في مصاحف المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: نقل القرطبي عن أبو بكر بن الأنباري: “أن الله تعالى أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا، ثم فَرَّق على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة، وكانت السورة تنزل في أمر يحدث، والآية جواباً لمستَخْبِرٍ يسأل، ويُوقفُ جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على موضع السورة والآية، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف، فكله عن محمد خاتم النبيين عليه السلام، عن رب العالمين، فمن أخَّر سورةً مقدَّمة أو قَدَّم أخرى مؤخَّرة فهو كَمَن أَفسد نَظم الآيات، وغيَّر الحروف والكلمات، ولا حجة على أهل الحق في تقديم البقرة على الأنعام، والأنعام نزلت قبل البقرة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخذ عنه هذا الترتيب، وهو كان يقول:” ضعوا هذه السورة موضع كذا وكذا من القرآن”. وكان جبريل عليه السلام يقف على مكان الآيات”. (4)
ثالثاً: بل يرى القائلون بتوقيف ترتيب السور أنّ اعتقاد كون القرآن متواتراً يقتضي أن يكون متواتراً حتى في ترتيب سوره، واستدلوا بأدلة منها:

1-  ثبتَ في أحاديث عديدة ذِكرُ سور القرآن المتوالية حسب ترتيب المصحف، ولم يَرد خلاف ذلك إلاَّ في حديثٍ واحدٍ، وله دلالة لا تخالف كون الترتيب توقيفياً، ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” ‌اقْرَؤُوا ‌الزَّهْرَاوَيْنِ ‌الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ”. (5)

2- ومنها أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى إِلَى فِرَاشِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ‌جَمَعَ ‌كَفَّيْهِ، ‌ثُمَّ ‌نَفَثَ ‌فِيهِمَا، وَقَرَأَ فِيهِمَا: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، (وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، وَ(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ثُمَّ مَسْحَ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ “. (6)

رابعاً: قد ورد عن الصحابة ما يؤكد التوقيف في ترتيب السور، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء هن من العتاق الأول، وهن من تلادي». (7) فذكر ابن مسعود السور نسقاً كما استقر ترتيبها. (8)

خامساً: واستدلوا بالدراية والعقل؛ فواقع ترتيب السور وطريقته لا يشك الناظر فيهما أنه توقيفيٌ مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذلك أن جَعْلَ ترتيب آل حاميم، وآل طاسين وِلاءً بخلاف المسبِّحات، والمبدوءات بـ (ألم) حيث لم تُجعل متتالية، بل فُصل بين سورها، وفُصل بين (طسم) الشعراء، و(طسم) القصص (بطس) النمل مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهادياً لذُكرت المسبِّحات وِلاءً، وأُخِّرت (طس) النمل عن (طسم) القصص.

سادساً: إنّ عَدم ترتيب السور على النُّزول، بحيث يُقدَّم المكي على المدني، يدل على أن الترتيب توقيفي. (9)

سابعاً: قال الزركشي في “البرهان في علوم القرآن” وهو ممن يقول بالتوقيف في ترتيب السور: “وفسَّر بعضهم قوله تعالى: ﴿‌وَرَتِّلِ ‌الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4] أي اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم ولا تأخير، وجاء النكير على من قرأه معكوساً، ولو حَلَفَ أن يقرأ القرآن على الترتيب لم يلزم إلاَّ على هذا الترتيب، ولو نزل القرآن جملةً واحدةً كما اقترحوا عليه لنزل على هذا الترتيب، وإنما تفرقت سوره وآياته نزولاً لحاجة الناس إليها حالةً بعد حالة، ولأنَّ فيه الناسخَ والمنسوخ، ولم يكن ليجتمعا نزولاً، وأبلغُ الحِكَمِ في تفرُّقِه ما قال سبحانه:﴿‌وَقُرْآنًا ‌فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: 106] وهذا أصل بني عليه مسائل كثيرة”. (10)

ثامناً: أما مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب السور في أحد صلواته؛ حين قرآ البقرة ثم النساء ثم آل عمران؛ فلها وجهٌ آخر غير وجه توقيف الترتيب، وهو أنه دلَّ بعمله هذا على جواز مخالفة الترتيب أثناء القراءة في الصلاة وغيرها، وعلى هذا جرى عمل المسلمين، فتراهم في الكتاتيب يعلمون الأطفال من آخر القرآن. (11)

تاسعاً: ردَّ القائلون بالتوقيف على الحديث السابق الذي رواه يزيد الفارسي عن ابن عباس، حين سأل عثمان بن عفان عن وضْعِهِ الأنفال بعد التوبة وعدم فصله بالبسملة بينهما…” (12)  بأنه حديث ضعيف؛ لضعف يزيد الفارسي الذي ضعَّفه البخاري، ومن المستبعد على عثمان بن عفان وهو من أهل العلم بالقرآن أن يجهل مثل هذا الأمر. (13)

عاشراً: أخرج عمر بن شبَّة في تاريخ المدينة: ” قال سليمان بن بلال: سمعت ربيعة (هو ابن أبي عبد الرّحمن المعروف بربيعة الرّأي) يَسأل: لم قُدّمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضعٌ وثمانون سورة بمكّة، وإنّما نزلتا بالمدينة؟ فقال: قُدّمتا، وألّف القرآن على علم ممّن ألّفه به، ومن كان معه فيه، واجتماعهم على علمهم بذلك، فهذا ممّا يُنتهى إليه ولا يُسأل عنه. (14)

ملحوظات تتعلق بموضوع ترتيب السور:

أ- القائلون بالاجتهاد في ترتيب سور القرآن لا ينكرون أنّ بعض سور القرآن كان مرتّبا منذ عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، كالسّبع الطّوال، أو بعض سور المفصّل من سورة (ق) إلى آخر القرآن، لكن لم يَروهُ دليلاً يفيد القطع بالتّرتيب. عن ابْن وهب أَنه سمع مَالِكًا يَقُول: ‌”إِنَّمَا ‌أُلِّفَ ‌الْقُرْآن ‌على ‌مَا ‌كَانُوا ‌يسمعُونَ ‌من ‌قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم” (15)
ب- ورأى بعضهم أنّ ترتيبه توقيفيّ إلّا (الأنفال) و (براءة)؛ لِمَا جاء في حديث عثمان المتقدّم، فيكون هذا قولاً ثالثاً.
ت-  القول بأنّ تّرتيب السّور اجتهاديّ لا ينافي تواتر القرآن، فهو مقطوع بنقله تامًّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لا يؤثّر فيه تقديمٌ لسورة وتأخيرٌ لأخرى، كما أن اعتقاد ذلك التّرتيب ليس من لوازم الإيمان.

ث- وما جاء أنّ جبريل كان يعارض النّبيّ صلى الله عليه وسلم القرآن ليس فيه أنّه كان على هذا التّرتيب، فقد تكون تلك المعارضة على ترتيب النّزول. (16)

وأخيراً:

راعى كثير من العلماء في بحوثهم التزام بيان أوجه التناسب بين كل سورة مع ما قبلها، ومنهم: الشيخ برهان الدين البقاعي (ت885هـ) في كتابه “نظم الدرر في تناسب الآيات والسور” ، ومنهم: السيوطي (ت911هـ) في كتابه ” تناسق الدرر في تناسب السور” ، ومنهم: ابن الزبير الغرناطي (ت708هـ) في كتابه: ” البرهان في تناسب سور القرآن”، حتى غدا علماً يحمل اسم علم المناسبات. كما ذكر  عدد من العلماء كثيراً من الأدلة التي تؤكد إعجاز القرآن من خلال ترتيب سور القرآن ومن أهمهم:  الشيخ محمد عبد الله دراز رحمه الله تعالى في كتابه القيم ” النبأ العظيم”.
وأقول للسائل: إن وجود مثل هذا الخلاف في ترتيب سور القرآن ليس له كبير أثر، بل هو أمر طبيعيٌ لمن عايش التنزيل وفهم تلك المرحلة، بل مال كثير من العلماء إلى أنه خلافٌ لفظي، لكن المهم والمؤثر أن القرآن بحمد الله تعالى محفوظ من التحريف والتغير والتبديل؛ مصداق قول الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ ‌لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] . والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

(1):مسند أحمد (499). وهناك من طعن في ثبوت هذه الرواية وسيأتي بيانه.
(2):مناهل العرفان (1/353)، المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص133.
(3): سنن أبي داود السجستاني (1396).
(4):  ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/59)-(1/60) المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص131؛ المحرر في علوم القرآن ص197.
(5):صحيح مسلم (804).
(6):صحيح البخاري (4729).
(7): صحيح البخاري (4462).
(8): ينظر: علوم القرآن الكريم د. عتر ص43.
(9):ينظر: علوم القرآن الكريم د. عتر ص44، المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص199؛ مناهل العرفان للزرقاني (1/353)- (1/355).
(10):البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/259).
(11):المحرر في علوم القرآن للطيار ص202.
(12):ينظر: مسند أحمد (499).
(13):ينظر: علوم القرآن د. عتر ص43؛ المحرر في علوم القرآن ص201.
(14):تاريخ المدينة عمر ابن شبَّة (3/1016).
(15):ينظر: البيان في عد آي القرآن للداني ص39؛ جمال القراء وكمال الإقراء علم الدين السخاوي (1/50)؛ محاضرات في علوم القرآن د. غانم القدوري ص76.
(16): المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص135.

[الشيخ] أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.