هل يجوز أن نقول: أعطني نسخة من القرآن؟ أم الأصح أن نقول: نسخة من المصحف؟ وما هو الفرق بين الكلمتين.؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
هل يجوز أن نقول: أعطني نسخة من القرآن؟ أم الأصح أن نقول: نسخة من المصحف؟ وما هو الفرق بين الكلمتين؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
كلا اللفظين يصح قولُه؛ لأن الناس اليوم تعارفوا على أن المصحف هو المشتمل على كلام الله تعالى، وإذا قالوا: القرآن، فإنهم يقصدون كلام الله تعالى أيضاً؛
وبالتالي لا فرق بين قولي أعطني نسخة من المصحف أو أعطني نسخة من القرآن.
فمعنى المصحف في اللغة: هو الكتاب الذي يَجمع الصحائف.
والمصحف في اصطلاح العلماء: هو اسمٌ لما كُتب فيه كلام الله تعالى بين الدّفتَّين.
والقرآن في اللغة: مشتق من القراءة، بمعنى التلاوة، فتقول: قرأ، بمعنى: تلا. ثم نُقِلَ من المصدر وجُعِلَ اسماً للكلام المُنَزَّل على المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ مصداق قوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) [القيامة: 18]أي صار علمًا شخصيًّا لذلك الكتاب الكريم. وهذا هو الاستعمال الأغلب، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]
ومعنى القرآن اصطلاحاً: كَلامُ الله تعالى، المُنَزَّلُ على نبيِّه محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، المُعْجِزُ، المُتَعَبَّدُ بِتِلاَوَتِه، المَكْتُوبُ في المَصَاحِفِ، والمَنْقُولُ بالتَّواتُرِ.
قال صاحب لسان العرب: سمي المصحف مصحفًا؛ لأنه أُصْحِفَ، أي جُعل جامعًا للصُّحف المكتوبة بين الدفتين، قال الفراء: يقال: مُصْحَفٌ ومِصْحَفٌ. (1)
فأَخذت تلك الصحف الموجودة اليوم بين الدفتين مكانتها وحُرمتها – من حيث عدم جواز مسه للمحدث حدثاً أصغر، وعدم جواز تلاوته للمحدث حدثاً أكبر… – بسبب وجود حروف القرآن الكريم فيها.
فظهر أن كلمة القرآن قد تطلق على ما هو موجود في المصحف، وعليه حَمَلَ كثير من أهل العلم قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ* لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الواقعة: 77-80]
فائدة تتعلق بالفرق بين المصحف والقرآن:
تكلم فقهاء الحنفية حول ما يجوز أن يُقسِم به المسلم؛ فقالوا: يجوز للمسلم أن يُقسم بذات الله وصفاته (وكلام الله صفته)، وناقشوا مسألة هل يجوز أن يُقسم المسلم بالمصحف؟ وهل يحنث إن لم يف بما حلف عليه؟
فنقل البدر العيني، فقال: واختلفوا فيمن حلف بالقرآن أو المصحف، أو بما أَنزل الله، فروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أن عليه لكل آية كفارة يمين، وبه قال الحسن البصري وأحمد بن حنبل، وقيل: كلام ابن مسعود محمول عل التغليظ، ولا دليل على صحته”. (2)
ونقل صاحب مجمع الأنهر، فقال: ” …لو حلف بالمصحف، أو وضع يده عليه، أو قال: وحقِّ هذا، فهو يمين، ولا سيما في هذا الزمان الذي كثُرت فيه الايمان الفاجرة، ورغبةُ العوام في الحلف به (بالمصحف) …، ثم قال: ولا يخفى أن الحلف بالمصحف الآن متعارف فيكون يميناً..”. (3)
أي إذا كان المصحف يتضمن كلام الله تعالى، وكلام الله تعالى من صفاته، فإنه يجوز الحلف بالمصحف، بأن يقول الإنسان: والمصحف، ويقصد ما فيه من كلام الله عز وجل.
وأخيراً:
كثير من المعاني اللغوية للألفاظ يتغير حكمها الشرعي بحسب تغير العرف والعادة في استعمالها، لهذا يجب على المسلم أن يسأل أهل العلم عن الحكم الشرعي لاستعمال بعض الألفاظ، ولا يكتفي بالرجوع لقواميس اللغويين لأخذ المعنى. والله تعالى أعلم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): ابن منظور، لسان العرب 9/186؛ عبد الله دراز، النبأ العظيم ص41.
(2): البدر العيني، عمدة القاري،23/185.
(3): ينظر: داماد أفندي، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، 1/544؛ ابن نجيم، النهر الفائق شرح كنز الدقائق، 3/55؛ حاشية ابن عابدين، 3/713.
[الشيخ] أنس الموسى
الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.