هل يجوز أن نطلب ممن يسافر إلى المدينة المنورة تبليغ السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض
السؤال
هل يجوز أن نطلب ممن يسافر إلى المدينة المنورة تبليغ السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه
فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة ومندوب إليها بأي كيفية كانت و منها الكيفية المذكورة في السؤال إذ حقيقتها تذكير للزائر بالصلاة و السلام على رسول الله عند زيارته من أحد أحبابه و تفصيل ذلك كما يلي :
إن الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من أقرب القربات، وأعظم الطاعات، فمَن تمسّك بها فاز بالسعادة في الدنيا، وغُفر ذنبه في الآخرة، وهي جالبة للخيرات، قاضية للحاجات، دافعة للنقمات، بابٌ لرضاء الله، وجزيل ثوابه ومحبته لعباده؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أصل كل خير في الدارين، وهو شفيع الخلائق في الآخرة، والصلاة على جنابه الشريف شفيع الدعاء في الدنيا؛ لذلك جاء الأمر الشرعي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنص الكتاب والسنة.
فقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الأحزاب/56،
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا»([1])
عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذهب ربع الليل -وفي رواية: ثلثا الليل- قام فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا الله، اذْكُرُوا الله، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ»، قلت: الرُّبُعَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لك»، قلت النِّصْفَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ»، قلت فالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لك»، قلت: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمُّكَ، وَيُغْفَرُ ذَنْبُكَ» ([2])
و في رواية قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ»([3])
ومن فضل الله على أتباع النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاتهم تصله أينما كانوا فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ لِلهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ »([4])
ولفرط تعلق المسلمين برسول الله جرت العادة بوصيتهم لمن يذهب إلى المدينة ويزور النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ النبي سلامهم و قد أشار إلى مشروعية ذلك بعض الفقهاء و العلماء
قال الزبيدي في شرح الإحياء ما عبارته: (وإن كان قد أوصي بتبليغ سلام) من أحد أحبابه (فليقل) بعد الدعاء المذكور (السلام عليك) يا رسول الله (من فلان) بن فلان (أو فلانه) بنت فلانه فقد جرى بذلك العمل في السلف والخلف، وكانت الملوك تبرد لتبليغ السلام بريدا لينوب عنه في إبلاغ السلام، روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد من الشام يقول سلم لي على رسول الله صلي الله عليه وسلم. أخرجه ابن الجوزي في مثير الغرام. ([5])
و يقول النووي رحمه الله «وإن كان قد أوصي بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم، قال: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان، وفلان ابن فلان، يسلم عليك يا رسول الله، أو نحو هذه العبارة»([6])
جاء في الاختيار لتعليل المختار وفي الفتاوى الهندية :(وَيُبَلِّغُهُ سَلَامَ مَنْ أَوْصَاهُ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، يَسْتَشْفِعُ بِكَ إِلَى رَبِّكِ فَاشْفَعْ لَهُ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ يَقِفُ عِنْدَ وَجْهِهِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ مَا شَاءَ) ([7])
بل ذهب بعض العلماء إلى أن إبلاغ السلام إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم واجب على من تحمّل هذه الأمانة، من باب الوفاء بالأمانات، جاء في شرح الزرقاني على المواهب اللدنية:
(فإن أوصاه أحد بإبلاغ السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن قال الموصي: قل: السلام عليك من فلان، أو سلم لي عليه صلى الله عليه وسلم، وتحمل ذلك، ورضي به، وجب عليه إبلاغه؛ لأنه أمانة يجب أداؤها، فليقل: السلام عليك يا رسول الله من فلان)،([8])
وجاء في مطالب أولي النهى : (وإذا أوصاه أحد بالسلام، فليقل: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان، ويبلغه وجوباً إن تحمله ليخرج من عهدته)([9]).
وختاما فلا مانع من إرسال السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن هذا لا يقلل من الهمة على الإكثار من الصلاة و السلام عليه حقبقة لننال فضائل الصلاة و السلام عليه و الحمد لله رب العالمين
([1]) أخرجه مسلم (408) وابن حبان (906) وأبو داود (1530) والترمذي (485) والدارمي (2814) وأحمد (8976)
([2]) أخرجه الحاكم (3599) والترمذي (2457) وأحمد (21632)
([3]) أخرجه الحاكم (3599) والترمذي (2457) وأحمد (21632) وابن أبي شيبة (8798)
([4]) أخرجه ابن حبان (914) والحاكم (3597)وأحمد: (3740) وابن أبي شيبة (8797)
([5]) اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين4/452 و مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن لابن الجوزي ص488
([6]) المجموع للنووي 8/ 274
([7])الاختيار لتعليل المختار للموصللي 1/ 176. الفتاوى الهندية 1/ 265-266
([8]) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 12/ 201
([9]) مطالب أولي النهى 2/ 442
[الشيخ] محمد فايز عوض
هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض من مواليد دمشق – سوريا 1965
درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها
خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985
حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور في باكستان.
له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،
مدرس في جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية
مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول
عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم:
والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.