هل يجب عليَّ قولُ صدق الله العظيم بعد الانتهاء من تلاوة القرآن؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل يجب عليَّ قولُ صدق الله العظيم بعد الانتهاء من تلاوة القرآن؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

لا يجب عليك عند الانتهاء من تلاوة القرآن أن تقول: “صدق الله العظيم” لا في الصلاة ولا في غيرها، فلم يَرِد أمرٌ من الشارع بذلك، لكنه أمر مباح جائز، وعده بعض أهل العلم من جملة الآداب مع كلام الله عز وجل؛ فمن قال: “صدق الله”، أو “صدق الله العظيم”، أو ” صدق الله العظيم وصدق رسوله”، أو ” صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم” عند المناسبات؛ كأن يتحقق شئ من الأشياء التي أخبر الله تعالى بها أو أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: صدق الله تأكيدًا لخبر الله وتعالى أو خبر رسوله، فهذا جائز لورود ما يؤيده في الكتاب والسنة وفِعْل الصحابة ومن بعدهم، ومن ذلك:

قول الله تعالى: ﴿ قُلْ ‌صَدَقَ ‌اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 95] أي قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن.

وقال تعالى أيضاً: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ‌وَصَدَقَ ‌اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22]  قال الصحابة ذلك، حين استحضروا إخبار الله عزّ وجلّ بنصر المؤمنين في الآيات المختلفة، وإخبارَ النبي صلّى الله عليه وسلم لهم بهزيمة الأحزاب.

و عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَخْطُبُ، فَأَقْبَلَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ، يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: “صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28]، ‌رَأَيْتُ ‌هَذَيْنِ ‌فَلَمْ ‌أَصْبِرْ” (1)

وقال رسول الله لمن جاءه يشتكي ما نزل ببطن أخيه من المرض: ” صَدَقَ ‌اللَّهُ، ‌وَكَذَبَ ‌بَطْنُ أَخِيكَ، اسقه عسلاً” (2) وإنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك حين  استحضر قوله سبحانه وتعالى: {فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ} (النحل: 69).
وقد فعل ذلك عليٌ رضي الله عنه لما رأى الرجلَ المخدَّجَ (وصفٌ وصفَ به رسول الله أحد الخوارج) بين قتلى الخوارج، كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبَّر ثم قال: “صدق الله وبلَّغ رسوله”. (3)

وكان هذا ديدن العلماء عندما يُذكر في كلام لله وتعالى ما يقتضي المقام منهم قول هذه الكلمة. قال القرطبي عند قوله سبحانه وتعالى: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ} (الذاريات: 22) «فإنا نقول صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم وأن الرزق هنا المطر» (4)
يقول الحكيم الترمذي: ” وَإِذا انْتَهَت قِرَاءَته ‌أَن ‌يصدِّق ‌ربَّه وَيشْهد بالبلاغ للرسل صلوَات الله عَلَيْهِم وَيشْهد على ذَلِك أَنه حق فَيَقُول صدقت رَبنَا وَبَلَّغَتْ رُسُلُك وَنحن على ذَلِك من الشَّاهِدين اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا من شُهَدَاء الْحق القائمين بِالْقِسْطِ ثمَّ يَدْعُو بدعواته” (5)
ملحوظة: كل هذه الأدلة وغيرها كثير يدل على استحسان هذه الكلمة وجواز قولها عقب التلاوة، لكن لا نجعلها كالسنة الثابتة، أو ننزلها منزلة البسملة والاستعاذة المأمور بها عند ابتداء التلاوة.

وأخيراً:

اعتقاد المرء أن الله تعالى صادقٌ فيما يقوله فهذا فرض، ومن كذَّب الله أو شكَّ في صدق ما أخبر به فهذا مخرجٌ من الملة والعياذ بالله.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1):سنن أبي داود (3600)؛ صحيح ابن خزيمة (1801).
(2):صحيح البخاري (5360).
(3):صحيح مسلم (1566).
(4):تفسير القرطبي (13/15).
(5):نوادر الأصول في أحاديث الرسول (3/254)؛ إذهاب الحزن وشفاء الصدر السقيم لعبد السلام مقبل المجيدي ص317؛ المقدمات الأساسية في علوم القرآن للجديع ص547.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.