هل يجب على المريض الصيام؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

هل يجب على المريض الصيام؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :

شرع الله تعالى من الأحكام ما يحقق حفظ النفس ويحميها من الأضرار، وأوجب على الناس القيام بكل ما يحفظ أنفسهم واجتناب ما يتلفها؛ قال الله تعالى: )وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا( [النساء: 29]

ولذلك فقد رخص الله تعالى للصائم غير المطيق للصوم الفطر في شهر رمضان؛

 قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184]

وقد أجمع أهل العلم على أن المرض في الجملة عذر يبيح الفطر.

والمراد به كل مرض يزيد بالصوم، أو يخشى تأخر الشفاء معه بالصوم، فهذان يجيزان الفطر في رمضان.

وأما إذا أدى به صومه إلى الهلاك أو الضرر الشديد فإنه يجب على المريض الإفطار؛ قال الإمام الشربيني الشافعي رحمه الله: “ويجب الفطر إذا خشي الهلاك كما صرح به الغزالي وغيره وجزم به الأذرعي”([1])

والمريض على قسمين:

أحدهما: من كان مرضه لازماً مستمراً، لا يرجى زواله، فلا يلزمه الصوم؛ لأنه ليس له حال يرجى فيها أن يقدر عليه، ولكن يطعم عن صيام كل يوم مسكيناً، ومثل ذلك الكبير العاجز عن الصوم، فيطعم عن كل يوم مسكيناً.

الثاني: من كان مرضه طارئاً غير ميؤوس من زواله وله ثلاث حالات:

الحال الأولى: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره، فيجب عليه الصوم؛ لأنه لا عذر له.

ومثل ذلك: الصداع، والحمى، ووجع الضرس، أو وجع الإصبع أو الرجل. ومن ذلك أيضاً الأمراض التي يستطيع صاحبها أن يؤخر تناول الأدوية فيها إلى ما بعد الإفطار أو مع السحور،

قال الإمام النووي: (وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة لم يجز له الفطر بلا خلاف عندنا)([2])

الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم، ولا يضره، فيكره له الصوم لما فيه من العدول عن رخصة الله تعالى مع الإشقاق على نفسه.

وهذا ما يسمى لدى العلماء:(المرض المرخص)؛ أي: يرخص لصاحبه الفطر ولا يوجبه عليه.

وهذا المرض يستطيع صاحبه الصوم ولكن بضرر ومشقة لا تؤديان إلى الهلاك، أو زيادة المرض المؤدي إلى الهلاك، أو زيادة المرض واستفحاله في جسد الإنسان.

قال الإمام النووي: (ثم كون شرط المرض مبيحاً أن يجهده الصوم معه فيلحقه ضرر يشق احتماله)([3])

الحال الثالثة: أن يضره الصوم، فيحرم عليه أن يصوم لما فيه من جلب الضرر على نفسه، وقد قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النِّسَاء: 29]. وقال سبحانه: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [ البَقَرَة: ١٩٥]

وفي الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا ضرر ولا ضرار»([4]) .

ويعرف ضرر الصوم على المريض إما بإحساسه بالضرر بنفسه، وإما بخبر طبيب موثوق به.

ما يلزم المريض إذا أفطر ؟ 

   1          إذا أفطَرَ مَن كان به مرضٌ يُرجى بُرْؤُهُ ثم شُفِيَ؛ وجب عليه قضاءُ ما أفطَرَه من أيَّامٍ.

لقوله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184]

قال ابنُ حجر الهيتمي: (وإذا أفطَر المسافرُ والمريضُ قضَيَا؛ للآية، وكذا الحائض والنُّفَساء إجماعًا)([5]).

   2          إذا أفطَرَ من كان به مَرَضٌ لا يُرجى بُرْؤُهُ- كأن يكونَ مَرَضُه مزمنًا- فإنَّه يُطعِمُ عن كلِّ يومٍ مسكينًا([6])، لقوله تعالى: )وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ( [البقرة: 184]

والخلاصة أن الفطر يباح للمرض أو ازدياد المرض أو تأخر الشفاء بسبب الصوم و يجب القضاء على القادر عليه بعد رمضان أو دفع فدية لغير القادر على ذلك

نسأل الله تعالى أن يشفي مرضانا شفاء لا يغادر سقما و الحمد لله رب العالمين

([1])مغني المحتاج 2/ 169
([2])المجموع : 6/258
([3]) اكتب الحاشية هنا
([4]) أخرجه مالك (2758 / 600) والحاكم (2358) والبيهقي (11502)
([5]) تحفة المحتاج  3/432
([6]) المجموع 6/258، نهاية المحتاج للرملي 3/189

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.