هل يجب تعلم القرآن الكريم باللغة العربية؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل يجب تعلم القرآن الكريم باللغة العربية؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

نعم يجب تعلم القرآن الكريم باللغة العربية، فاللغة العربية هي لغة القرآن الكريم التي قال الله تعالى فيها: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا ‌عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وقال أيضاً: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا ‌عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3] فمَن قرآن القرآن مترجماً إلى لغة أخرى هو في الحقيقة لا يقرأ القرآن؛ لأسباب منها:

القرآن نظمه ومعناه من عند الله تعالى: فالنظم: هو عبارات القرآن الكريم وألفاظه، والمعنى: هو ما تدل عليه العبارة والنظم، أما المعنى وحده فليس بقرآن؛ ولذلك فإن الترجمة إلى لغة أجنبية مهما كانت دقيقةً وكاملةً لا تُعد قرآنًا.

إن فهم المراد من الآيات لترجمتها يحتمل الخطأ؛ لاشتمال القرآن على الحقيقة والمجاز، والمشترك، والعام، والخاص.
كما أن التعبير – بألفاظِ لغةٍ أخرى – عن معاني القرآن يحتمل الخطأ أيضًا، وهذان الاحتمالان (الخطأ في الترجمة والخطأ في التعبير) واقعان وملموسان؛ لذا فالترجمة لا تكون قطعية في القرآن. والقرآن بلفظه ومعناه نزل باللغة العربية دون ما عداها، وهو مُعْجِزٌ بهذه اللغة وبالترجمة يزول إعجازه.

قال السيوطي في الإتقان: ” لا تجوز قراءة القرآن بالمعنى لأن جبريل أداه باللفظ ولم يُبح له إيحاؤه بالمعنى، والسر في ذلك أن المقصود منه التعبد بلفظه والإعجاز به فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه، وأنَّ تحت كل حرف منه معاني لا يُحاط بها كثرة فلا يقدر أحد أن يأتي بدله”.

وقال الزرقاني في مناهل العرفان في علوم القرآن: تكاد كلمة الفقهاء تتفق على منع قراءة ترجمة القرآن بأي لغة كانت فارسية أو غيرها وسواء أكانت قراءة هذه الترجمة في صلاة أم في غير صلاة. ونقلَ أقوال الحنفية، والشافعية والمالكية والحنابلة بعدم جواز قراءة القرآن بغير العربية سواء عجز عن ذلك أم لا.

ملحوظة:

هناك رأيٌ للإمام أبي حنيفة خالف فيه صاحباه، جوَّز فيه قراءة القرآن بغير العربية (الفارسية) في الصلاة فقط، وروي عن الإمام رجوعه عن هذا القول إلى رأي صاحبيه والجمهور، وقال: لا تجوز القراءة مع القدرة بغير العربية. وهي مسألة فقهية أصولية يرجع لها في كتب الحنفية، وسأذكر في الهامش بعض هذه المراجع للاستزادة.

وأخيراً:

عربيّة القرآن وصفٌ لازم له، مع كونه رسالة إلى جميع النّاس، ولأجل هذا يتفاوت المترجِمون في الإبانة عن المراد، وتختلف عباراتهم في اللّغة المترجم إليها، بل تختلف المعاني وتتعدّد، بمنزلة ما يقع من الاختلاف بين المفسّرين.

عند تعليم غير العربيّ معاني القرآن مترجماً، ينبغي تنبيهه أنَّ هذا ليس هو القرآن، وأن يبصَّر أن هذا اجتهاد بشري في بيان معاني كلام الله تعالى، جائز عليه الوهم والغلط والقصور، ويجب أن يبيّن ذلك في مقدمات تلك التّرجمات. وتأكيدًا لذلك واحتياطًا للأمر ألزم العلماء من يطبع ترجمة القرآن الكريم أن يوضع القرآن بنصه ولفظه العربي في منتصف الصفحة، ويُطبع التفسير باللغة الأجنبية على هامشه، ليشار إلى الأصل باستمرار.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ينظر:

الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/159)؛ الكافي شرح أصول البزدوي للسغناقي (1/196)، البناية شرح الهداية للعيني (2/179)؛ عمدة القاري شرح صحيح البخاري (6/20)؛ مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص105؛ الوجيز في أصول الفقه الإسلامي محمد الزحيلي (1/147)؛ مناهل العرفان للزرقاني (2/160)؛ الموسوعة الفقهية الكويتية (33/54).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.