هل يجب استعمال الماء بعد استخدام الحمام؟

الإجابة من الشيخ د. محمد فايز عوض

السؤال

هل يجب استعمال الماء بعد استخدام الحمام؟ 

الجواب

الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله و بعد:

      فإن من حكمة الشارع أنه نظيف يحب النظافة، وقد أمر عباده بها حيث جعلها من الإيمان وحث عليها المؤمنين، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222]، وصح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» [1] و هذا يشمل الطهارة الظاهرة و الباطنة، ومن الطهارة الظاهرة إزالة النجاسة، و هي القذارة وضدها النظافة.

      والسؤال المذكور هو ما يعبر عنه في كتب الفقه بالاستنجاء وهو واجب، ولعل البعض يشنع على الفقهاء شدة تحريهم و بحثهم في مثل هذه الأمور، لكن الحقيقة أن مثل هذه المباحث من مفاخر شرعنا المتمثل في فقهنا – و الحمد لله – ذلك أنه يدل على مدى الرقي والمستوى الحضاري الذي جاءنا به ديننا بحمد الله بينما نرى غير المسلمين لا يلتفتون لمثل هذه الأمور الهامة والذوقيات الرائعة.

معنى الاستنجاء:

      هو إزالة النجاسة أو تخفيفها عن مخرج البول أو الغائط.
وقد دل على وجوبه السنة فعن عائشة رضي الله عنها:  أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن، فإنها تجزئ عنه» [2]
[يستطيب: يستنجي، سمي بذلك لأن المستنجي يطيب نفسه بإزالة الخبث عن المخرج].

  • ما يستنجى منه:

      وَيَجِبُ الاسْتِنْجَاءُ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مَنْ السَّبِيلَيْنِ كالبول و المذي إلا الريح فلا يجب الاستنجاء منها.

 

  • ما يستنجى به:

      يجوز الاستنجاء بالماء المطلق، وهو الأصل في التطهير من النجاسة كما يجوز بكل جامد خشن يمكن أن يزيل النجاسة، كالحجر والورق ونحو ذلك.
والأفضل أن يستنجي أولاً بالحجر ونحوه كالمناديل الورقية، ثم يستعمل الماء، لأن الحجر و المناديل يزيل عين النجاسة والماء بعده يزيل أثرها دون أن يخلطها. وإن اقتصر على أحدهما فالماء أفضل، لأنه يزيل العين والأثر، بخلاف غيره.

  • وإن اقتصر على الحجر ونحوه، فيشترط ما يلي:
  1. أن يكون المستعمَل جافاً،
  2. وأن يستعمله قبل أن يجف الخارج من القبل أو الدبر،
  3. وألا يجاوز الخارج صفحة الألية أو حشفة الذكر وما يقابلها من مخرج البول عند الأنثى،
  4. وألا ينتقل عن المحل الذي أصابه أثناء خروجه.
  5. كما يشترط ألا تقل المسحات عن ثلاثة أحجار أو ما ينوب منابها، فإن لم ينظف المحل زيد عليها. [3]
  6. ويسن أن يجعل وتراً، أي منفردة: كخمسة أو سبعة، ونحوها.

  • ما لا يستنجي به:

      لا يصح الاستنجاء بما كان نجس العين أو متنجساً لأنه ربما زاد في أثر النجاسة بدل تخفيفه، كما يحرم الاستنجاء بما كان مطعوماً لأدمي كالخبز وغيره، أو جني كالعظم [4].

      هذا و يجدر بالمسلم الانتباه لأمر الاستنجاء لأن الطهارة من شروط صحة الصلاة و قد جاء الوعيد في حق من أهملها،

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ مَكَّةَ ، أَوِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: «بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» [5].

وفقنا الله لما يحبه ويرضاه و الحمد لله رب العالمين.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.


أ. د. محمد فايز عوض عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركيا إلى الآن..
والشيخ عضو رابطة علماء الشام، ومؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، ورابطة العلماء السوريين، والمجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح مسلم (223).
[2] سنن أبي داود (40).
[3] البيان في مذهب الإمام الشافعي 1/ 216. النووي، المجموع شرح المهذب 2/ 100.  شمس الدين الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 1/ 150.
[4] الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج 154/1. الخطيب الشربيني، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 1/ 50. الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي للمؤلفين: مصطفى سعيد الخن – مصطفى البغا – علي الشربجي 1/ 45.
[5] صحيح مسلم (292). صحيح ابن خزيمة (55).