هل يجب أن أخبر من أنوي الزواج بها عن ماضي الخاطئ؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل يجب أن أخبر من أنوي الزواج بها عن ماضي الخاطئ؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم,

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

بداية وقبل أن أجيبك عن سؤالك، إن كنت ألممتَ بذنب فاستغفر الله منه وتب واعزم على عدم العودة، وأحسب أنك من التائبين فسؤالك يشي بذلك؛ لأنك أسميت ما وقعت فيه ماض خاطئ.

أما عن سؤالك: فلا يجب عليك أن تخبر من تنوي الزواج بها عن ماضيك الخاطئ، بل لا يجوز لك أن تخبر  أحداً بأي خطأ وقعت فيه في حياتك، سواء من تنوي الزواج بها أو أي شخص آخر، لا قبل الزواج ولا بعد الزواج، بل الواجب على المسلم أن يكتم معصيته ولا يحدِّث بها الناس، فما دام الله تعالى سترك فلماذا تهتك ستر الله عليك؟!

ففي صحيح البخاري، يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى ‌إِلَّا ‌الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ ستره الله، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عنه”. (1)

وروى الإمام مالك في الموطأ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوْطٍ….. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُلِدَ. ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ ‌قَدْ ‌آنَ ‌لَكُمْ ‌أَنْ ‌تَنْتَهُوا ‌عَنْ ‌حُدُودِ ‌اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا. فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ. فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ». (2)

وعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: «إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إِلَّا صَاحِبَهَا، وَإِذَا أُعْلِنَتْ ضَرَّتِ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ». (3)

وعَنْ مَرْيَمَ ابْنَةِ طَارِقٍ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ: إِنَّ كَرِيًّا أَخَذَ بِسَاقِي، وَأَنَا مُحْرِمَةٌ. قَالَتْ: «حِجْرِي حِجْرِي» . وَأَعْرَضَتْ عَنْهَا بِوَجْهِهَا، وَقَالَتْ بِكَفِّهَا. وَقَالَتْ: «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذَا أَذْنَبَتْ إِحْدَاكُنَّ ذَنْبًا، فَلَا تُخْبِرَنَّ بِهِ النَّاسَ، وَلْتَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَلْتَتُبْ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعِبَادَ يُعَيِّرُونَ وَلَا يُغَيِّرُونَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُغَيِّرُ وَلَا يُعَيِّرُ». (4)

وأخيراً:

ليحذَرِ من يريد الزواج ذكراً كان أم أنثى، من هذا الخُلق الذميم، وهو إذاعة ونشر ما ستره الله تعالى، أو البحث والتنقيب والتفتيش عن ماضي الزوج أو الزوجة، فما دام الله تعالى وفّقكما لاختيار بعضكما على أساس الدين والخلق، فلا تفتشا عن الماضي، ولا تسألا عن المعاصي، وليستر كل واحد نفسه، فكلنا ذو خطأ، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «‌التَّائِبُ ‌مِنَ ‌الذَّنْبِ ‌كَمَنْ ‌لَا ‌ذَنْبَ ‌لَهُ». (5)

والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): صحيح البخاري (5721).

(2): موطأ مالك، بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنِ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا (12).

(3): أبو بكر الخرائطي مساوئ الأخلاق ص196.

(4): أبو بكر الخرائطي مساوئ الأخلاق ص196.

(5): المعجم الكبير للطبراني (10281).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.