هل هناك سن يصل إليه الإنسان يصعب عليه فيه طلب العلم؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل هناك سن يصل إليه الإنسان يصعب عليه فيه طلب العلم؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لا توجد سنٌّ محددة يَصْعُبُ فيها على الإنسان طلب العلم، ولكن هناك بعض التحديات التي قد تواجه بعض الأشخاص في طريق طلب العلم، منها: التقدم في العمر الذي قد ينشأ عنه ضعف البصر، وضعف السمع، وضعف التركيز، كما أن تقدم الشخص في السن يجعل المسؤوليات العائلية الملقاة عليه أكبر وأهم…

يروي صالح بن أحمد بن حنبل، قال: رأى رجل مع أَبي مِحْبَرَة، فقال له: يا أَبا عبد الله، أَنت قد بلغت هذا المبلغ، وأَنت إِمامُ المسلمين؟! فقال: مع المِحبرة إلى المَقْبرة. (1) والمعنى: لن أترك المِحبرة حتى أُحمل إلى المَقبرة.

 فالاشتغال بالعلم إذاً ليس فترة محدودة من الزمن، وإنما هي حياة متواصلة ومستمرة؛ مصداق قول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]

ولما قيل لعبد الله بن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إن شاء الله.

ويقول الإمام الغزالي:فَلَا ‌يزيد ‌كِبَرُ ‌السنّ ‌للجاهل ‌إِلَّا ‌جَهْلًا فَالْعِلْمُ ثَمَرَةُ الْعَقْلِ، وَهِيَ غَرِيزَةٌ وَلَا يُؤَثِّرُ الشَّيْبُ فِيهَا”. (2)

وقال أيوب السختياني: أدركت الشيخ ابن ثمانين سنة يَتبع الغلام يتعلَّم منه.

وقيل لأبي عمرو بن العلاء: أيحسن من الشيخ أن يتعلم من الصغير؟ فقال: إن كان الجهل يَقبُح به، فالتعلم يَحْسُنُ به. (3)

ويروى عن ابن عباس قال: ‌منهومان ‌لا ‌يشبعان: طالب علم وطالب دنيا”. (4)

لهذا كان العلماء يوصون تلامذتهم بالاستمرار في الطلب، ويقول أحدهم: اطلب العلم من المهد إلى اللحد.

وما ذلك إلاّ لأنهم استحضروا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «‌مَنْ ‌يُرِدِ ‌اللهُ ‌بِهِ ‌خَيْرًا ‌يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ”. (5) فتاقت نفوسهم للوصول لتلك المنزلة وتحقيق ذلك الشرف.

وأخيراً:

العلماء هم الأموات الأحياء، فلقد مات خُزَّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب والسطور موجودة.
فَفُز بعلمٍ تعش حياً به أبداً … الناس موتى وأهل العلم أحياء

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):  ابن الجوزي، مناقب الإمام أحمد ص37.
(2): إحياء علوم الدين (1/143).
(3): إحياء علوم الدين (1/144).
(4):  مصنف ابن أبي شيبة (14/363).
(5): صحيح البخاري (71).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.