هل هناك أذكار وأدعية معينة تقال في الحرّ الشديد كما يقول البعض؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

هل هناك أذكار وأدعية معينة تقال في الحرّ الشديد كما يقول البعض؟

الجواب

إن شدة الحر من فيح جهنم، و لذلك يستحب الذكر و الدعاء و الالتجاء إلى الله تعالى في مثل هذه الأحوال، كالإكثار من قول :” لا إله إلا الله “،  و من هذه الأدعية و الأذكار  الواردة في السنة أن يقول العبد :” لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ” أو غير ذلك من الأذكار و الأدعية التي فيها استجارة من النار و عذابها و الله أعلم

التفصيل و البيان :

هذه الظواهر المناخية أو الأحداث الكونية ما هي إلا آيات من آيات الله تبارك و تعالى، كالكسوف و الخسوف ، و شدة الحر و شدة البرد، و الرعد و البرق و العواصف، و انحباس المطر و غير ذلك،

و كلها تجري بقضاء الله و قدره ، و ما على العبد إذا رأى ذلك أو أصابه منها شيء إلا أن يلتجأ إلى الله تبارك و تعالى بالدعاء و الذكر و الصلاة ،كصلاة الكسوف و الخسوف أو الاستسقاء أو غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية أو مما سنه لنا الحبيب صلى الله عليه و سلم

 فعَنْ ‌أَبِي مُوسَى الأشعري -رضي الله عنه- قَالَ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ».(1)

و يقول الإمام ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” معلقاً على هذا الحديث: ( و قد تقدم أن السُّنَّة عند نزول الآيات: الاستغفار والذكر والفزع إلى الله تعالى بالدعاء، وإخلاص النيات بالتوبة والإقلاع، وبذلك يكشف الله تعالى ظاهر العذاب؛ قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا…﴾[الأنعام:43])(2)

– و شدة الحر  هي من فيح جهنم  و نفس من أحد نَفَسَين لها ، كذلك شدة البرد
فعن أبو هريرة – رضي الله عنه – أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم- قال: «اشتكتِ النار إلى ربِّها، فقالت: ربِّ، أكلَ بعضي بعضاً، فأذِن لَها بنفسَينِ: نفَس في الشتاء، ونَفَس في الصيف، فهو أشدُّ ما تجدون من الحرّ، وأشدُّ ما ترون من الزمهرير» متفق عليه(3).

و للبخاري عَنْ ‌أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ.» (4)

و في رواية مسلم عَنْ ‌أَبِي ذَرٍّ قَالَ: « أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْرِدْ أَبْرِدْ – أَوْ قَالَ انْتَظِرِ انْتَظِرْ -. وَقَالَ: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ» (5)

– فإذا اشتد الحر فما على العبد إلا الدعاء و الالتجاء إلى الله، و  الإكثار من قول :” لا إله إلا الله ”
و يدعو بهذا الدعاء الواردة في السنة :” لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ”
و ذلك لما روي عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :” إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا

قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَنِي مِنْكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ …”(6)

و في رواية ابن السنّي: ” إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْ حَرِّكِ فَاشْهَدِي أَنِّي أَجَرْتُهُ، وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَنِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ “. قَالُوا: مَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ؟ قَالَ: «بَيْتٌ يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ، فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهَا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ» (7)

– و هذه الأحاديث تندرج تحت أصل عظيم، و هو طلب الاستجارة و  الاستعاذة من النار و عذابها؛ حيث قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]،
كما يجوز للعبد أن يدعو  بأي صيغة من صيغ الدعاء أو الذكر  أو الطلبٍ من الله تعالى بأن يخفف شدة الحر ، و  يلطف بعباده، و أن يجيرهم من حر جهنم و فيحها و عذابها .

بناءً على ما سبق :

يستحب للعبد -إن رأى آية من هذه الآيات الكونية أو مظهراً من هذ المظاهر المناخية التي فيها شدة و ابتلاء و تخويف- أن يفزع إلى الدعاء و الذكر و الصلاة و غير ذلك مما سنه لنا النبي صلى الله عليه و سلم ، و كذلك الحال فيما نجده في هذه الأيام من شدة الحر ؛ فعلينا الإكثار من الذكر و الدعاء بأي صيغة كانت ، و الأفضل الدعاء بالمأثور  : ” لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ” والله أعلم.

المصادر و المراجع :

1- صحيح البخاري : رقم (١٠٥٩) ، [2\39]
2- كتاب شرح صحيح البخاري، ابن بطال [3\47] ، طبعة مكتبة الرشد.
3- صحيح البخاري : رقم  (3260)،  [4\120] ، و صحيح مسلم : رقم (617)، [2\108]
4- صحيح البخاري : رقم  (3259)، [4\120]
5- صحيح مسلم  : رقم (616) ، [2\108]
6-  رواه البيهقي في كتاب “الاعتقاد”، صفحة (85)
7-  ابن السني ، في “عمل اليوم و الليلة “، رقم (306) ، صفحة (265)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ