هل نُسخ حكم المؤلفة قلوبهم؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

متى ينسخ الحديث النبوي حكمًا في القرآن؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

المؤلفة قلوبهم: قوم كانوا في صدر الإسلام أسلموا ونيتهم ضعيفة بالإسلام، ويُراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الإسلام، أو تقريرًا لهم على الإسلام، أو كفّ شرهم عن المسلمين، أو نصرهم على عدوٍ لهم، أو قد يُترقب بإعطائهم ومراعاتهم إسلامَ نظرائهم، ونحو ذلك؛ فتُستَألَفُ قلوبهم بدفع سهمٍ من الصدقة إليهم.

والمؤلفة قلوبهم أحد مصار فالزكاة الثمانية المشار إليها ببيان الحق سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60] وهم نوعان: مسلمون وكفار[1].

– أما المؤلفة قلوبهم من الكفار فصنفان: صنف يُرجى خيره، وصنف يُخاف شره. وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلم أعطى قوماً من الكفار، يتألف قلوبهم ليسلموا، فعَنْ ‌رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ ‌كُلَّ ‌إِنْسَانٍ ‌مِنْهُمْ ‌مِائَةً ‌مِنَ ‌الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ..”[2].

وأما المؤلفة قلوبهم من المسلمين فأصناف: منهم: ضعفاء النية في الإسلام: يعطون ليتقوى إسلامهم.

– ومنهم: المسلم الشريف في قومه الذي يُتوقع بإعطائه إسلام نظرائه، فقد أعطى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أبا سفيان بن حرب وآخرين، وأعطى الزِّبرقان بن بدر، وعَدي بن حاتم، لشرفهما في قومهما.

– ومنهم: المقيم في ثغر من ثغور المسلمين المجاورة للكفار، ليكفينا شر من يليه من الكفار بالقتال.

– ومنهم: من يجبي الصدقات من قوم يتعذر إرسال ساع إليهم، وإن لم يمنعوها. وقد ثبت أن أبا بكر أعطى عدي بن حاتم حين قدم عليه بزكاته وزكاة قومه عام الردة[3].

‌‌أمَّا هل بقي سهم المؤلفة قلوبهم أو نسخ؟ فرأيان لأهل العلم:

أولاً: قال الحنفية ومالك: قد سقط‍ سهم المؤلفة بانتشار الإسلام وقوته، فيكون عدد مصارف الزكاة من بعد صدر الإسلام وإلى الآن سبعة لا ثمانية، ويكون سقوط‍ هذا السهم من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته، كانتهاء جواز الصوم بانتهاء وقته وهو النهار. وقال مالك: لا حاجة إلى المؤلفة الآن لقوة الإسلام[4].

ثانياً: وقال الجمهور، ومنهم العلامة خليل من المالكية: حكم المؤلفة قلوبهم باق لم ينسخ، فيُعطون عند الحاجة، ويُحمل ترك عمر وعثمان وعلي إعطاءَهم، على عدم الحاجة إلى إعطائهم في خلافتهم، لا لسقوط‍ سهمهم، فإن الآية من آخر ما نزل من القرآن، ولأن المقصود من إعطائهم ترغيبهم في الإسلام، لأجل إنقاذ مهجهم من النار، لا لإعانتهم لنا، حتى يسقطَ بانتشار الإسلام.
والخلاصة: أن هذا السهم حق للإمام يفعل فيه ما يراه محققا للمصلحة[5].

ملحوظة:

اختلف العلماء في إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة حال كونهم كفاراً، فقال الحنابلة والمالكية: يعطون ترغيباً في الإسلام؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم «أعطى المؤلفة من المسلمين والمشركين».

وقال الحنفية والشافعية: لا يعطى الكافر من الزكاة لا لتأليف ولا لغيره، وقد كان إعطاؤهم في صدر الإسلام في حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم، وقد أعز الله الإسلام وأهله، واستغنى بهم عن تألف الكفار، ولم يعطهم الخلفاء الراشدون بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه: «‌إنا ‌لا ‌نعطي ‌على ‌الإسلام ‌شيئاً، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر»[6]. والله تعالى أعلم

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[1] ينظر الموسوعة الفقهية الكويتية (36/12).
[2] صحيح مسلم (1060).
[3] ينظر: وهبة الزحيلي التفسير المنير (10/ 270).
[4] وهبة الزحيلي الفقه الإسلامي (3/1955).
[5] ينظر: وهبة الزحيلي التفسير المنير (10/279).
[6] الفقه الإسلامي وأدلته وهبة الزحيلي (3/1945)؛ التفسير المنير وهبة الزحيلي (10/269).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.